ما بين تويتر... والرقيب العتيد!
يا سادتي، لنتذكر... كلنا راحل، وها هو رمضان قد حل كلمح بالبصر، فلنسارع إلى إصلاح ما لعلنا قد أفسدناه، وليقم الواحد منا بمسح وإصلاح السيئ من كتاباته وأقواله سواء على الإنترنت أو في غيرها، وليشرع في إصلاح ما أخطأ به في حق الناس، وليعتذر إلى الله الواحد الأحد، الرحمن الرحيم، عساه أن يتغمدنا بعطفه ولطفه وواسع رحمته.
أعتقد أن الجميع قد مرت عليهم الآية الكريمة في سورة ق: «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»، وتعلمون ولو شيئا ما معناها، وأن الرسول الكريم قد أخبر حقا بأن هناك ملكين يرافقان الإنسان أينما حل وكان، ليقوما بتسجيل ما يلفظ وما يفعل من حسنات وسيئات.أظننا جميعا- نحن المسلمين- نعرف هذا، إلا أن هذه المسلَّمة الدينية سرعان ما تغيب عن بال الواحد منا عندما تأخذه الحياة في غمرتها، وكأنه بالفعل ينسى أنه متابع ومراقب ومحاسب على كل لفظ وفعل يصدر عنه!
يندفع الواحد منا في حياته يقول ويفعل ما يحلو له، وتأخذه الأيام بعدها لينسى أغلب ما قاله وفعله، وما هي إلا سنوات، تطول أو تقصر، حتى يجد نفسه على أهبة الرحيل عن هذه الدنيا إلى حيث من عنده ستنكشف السجلات، فتكون له ولمن حوله صدمة، وكأن الأمر، أعني الوفاة، كان خارجا عن المألوف أو لم يكن في الحسبان. تلك الصورة، الأشبه بالخيال، أقصد صورة الملكين يجلسان عن يمين وشمال الشخص طوال الوقت يسجلان ما يلفظ ويفعل، وهي الصورة التي لم تكن تفارق مخيلتي عندما درست معنى الآية للمرة الأولى في المدرسة وأنا صغير، عادت لتحتل صدارة تفكيري خلال الفترة الماضية بعدما شهدت وسمعت عن حالات وفاة لبعض الإخوة والأخوات ممن لهم وجود على الإنترنت عبر «فيسبوك» و»تويتر» وغيرها.رحل هؤلاء إلى رحمة الله تاركين خلفهم سجلات مكتوبة بأيديهم على شبكة الإنترنت، حوت ما حوت من الأقوال والألفاظ والصور وغير ذلك، وكان فيها ما فيها من النفيس والجيد وما هو دون ذلك على درجات، كحالنا جميعا نحن من ينشطون في هذه الشبكات. وكان قد شد انتباهي سعي بعض الإخوة ومحاولاتهم لمسح وإلغاء حسابات البعض من هؤلاء الراحلين، سواء في «فيسبوك» أو في «تويتر» أو في غيرهما، لكون هذه الحسابات قد احتوت على ما ظنوه سيسيء إلى أصحابها، رحمهم الله، بعدما رحلوا. استعرضت تلك الحسابات، وأظن الكثيرين غيري قد قاموا بذلك أيضا، وأمام هذا المشهد توقفت مليا، وعادت تلك الصورة الشبيهة بالخيال إلى تفكيري بعنف وقوة.نعم يمكن يا سادتي محو سجلات الإنترنت، وإلغاء الحسابات في «فيسبوك» و»تويتر»، ومسح المدونات وغيرها، نعم يمكن هذا حتى لا يبقى لها أثرا على الإطلاق ربما، ولكن من سيمسح تلك النسخ الأصلية في تلك السجلات التي كتبها المتلقيان عن اليمين وعن الشمال؟ وهل سيفيد المرءَ شيءٌ إن هو أخفيت آثار أقواله وأفعاله في الدنيا؟ وهل تراه سيفلت من حساب من «لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها»؟ ما كان هذا ليكون.يا سادتي، لنتذكر... كلنا راحل، وها هو رمضان قد حل كلمح بالبصر، وهو الذي كان بالأمس ها هنا، ولا يدري الواحد منا متى يكون دوره فيحين موعد رحيله، فلنسارع إلى إصلاح ما لعلنا قد أفسدناه، وليقم الواحد منا بمسح وإصلاح السيئ من كتاباته وأقواله سواء على الإنترنت أو في غيرها، وليشرع في إصلاح ما أخطأ به في حق الناس، وليعتذر إلى الله الواحد الأحد، الرحمن الرحيم، عساه أن يتغمدنا بعطفه ولطفه وواسع رحمته.