ما قل ودل: مجلس وزراء مصر عسكري أكثر من العسكريين
بثت وكالة «أنباء الشرق الأوسط» تصريحا للمستشار الإعلامي لرئيس وزراء مصر د. أحمد السمان بأن الحكومة قررت حذف الفقرة الأخيرة من المادة (1) من قانون مباشرة الحقوق السياسية التي تعفي ضباط وأفراد القوات المسلحة وهيئة الشرطة طوال مدة خدمتهم من الواجب الانتخابي، كما أُعلن الخبر على موقع «الفيس بوك» لرئاسة مجلس الوزراء، وبعد أقل من ساعة خرج عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة اللواء ممدوح شاهين لينفي تلك التعديلات، بعدها بدقائق تراجع د. السمان عن تصريحاته السابقة مؤكدا أن المجلس ناقش الأمر، ولم يوافق عليه، وأنه لن تتم الموافقة على التعديل إلا بعد طرحه للنقاش المجتمعي.وقف حق العسكريين في الكويت
ويقابل الفقرة الأخيرة من المادة (1) من قانون مباشرة الحقوق السياسية في مصر، المادة (3) من القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة، والتي تنص على أن «يوقف استعمال حق الانتخاب بالنسبة إلى رجال القوات المسلحة والشرطة». وهو نص يطالب بعض أعضاء مجلس الأمة بتعديله، من خلال اقتراحات بقوانين قدمت في أكثر من فصل تشريعي.في دستور 1923 في مصرويعيدنا تصويت العسكريين بالذاكرة إلى ما كان عليه الأمر في ظل دستور 1923 في مصر من إعفاء العسكريين من التصويت في الانتخابات العامة، إذ اعتبرت ثورة 23 يوليو سنة 1952 ذلك إهدارا لحقوق الجيش الذي قام بالثورة، فأصدرت القانون رقم 73 لسنة 1956، الذي اعترف لأول مرة بحق العسكريين في التصويت في الانتخابات العامة.بعد ثورة 23 يوليو وعند تطبيق هذا القانون في الانتخابات العامة التي جرت بعد صدوره، قدمت طعون انتخابية بسبب التلاعب في فرز الأصوات الذي كان يتم داخل وحدات القوات المسلحة، وتأثيره في نتائج الانتخابات، وأصدرت محكمة استئناف القاهرة حكمها بجلسة 19/4/76 في أحد الطعون الانتخابية، الذي قضت فيه بإدانة طريقة فرز الأصوات في وحدات القوات المسلحة وتأخير إعلانها إلى ما بعد إعلان نتائج انتخابات المدنيين، وطالبت المحكمة بتعديل قانون الانتخاب بما يضمن سلامة العملية الانتخابية.حرمان العسكريين مرة أخرىوقد استجاب المشرع لنداء المحكمة وأصدر القانون رقم 76 لسنة 1976 بإعفاء رجال القوات المسلحة والشرطة من حق الانتخاب، معللاً ذلك بما جاء في مذكرته الإيضاحية من أن القوات المسلحة هي درع هذا الوطن العظيم، وأن الانخراط في التنظيمات السياسية مع تنوع الآراء والعقائد والمفاهيم التي تدعو إليها أمر بالغ الخطر وعظيم الضرر؛ إذا ما امتد أثره إلى داخل القوات المسلحة؛ مع ما يرتبه ذلك من تفرق في الرأي، واختلاف في النظر، بما يفتت وحدة القوات المسلحة، ويهدم تماسكها، ويعرضها إلى فقد الهدف والغاية... وأنه لهذا نصّت قوانين الخدمة العسكرية على حظر اشتغال أفراد القوات المسلحة بالسياسة.وهذا النظر يتفق وطبيعة عمل القوات المسلحة التي يجب أن تنأى دوماً عن العمل السياسي، وما قد يجلبه من تطاحن وتنافر نتيجة لاختلاف العقائد والميول السياسية. وأن أفراد القوات المسلحة وكذلك ضباط وأفراد هيئة الشرطة الذين تقتضي طبيعة عملهم السهر على حماية الوطن واليقظة التامة في كل وقت، للقيام بهذا الواجب الوطني القوي، الأمر الذي يتعارض مع إدلائهم بأصواتهم في الاستفتاءات والانتخابات، بما يصرفهم عن واجبهم.مجلس الوزراء عسكري أكثر من العسكريينإلا أن للخبرـ في رأيناـ دلالة أخرى، هي أن ثورة 25 يناير لم تؤت ثمارها، حتى في الحكومة التي شكلت من رحم الثورة في ميدان التحرير، والتي يرأسها الدكتور عصام شرف، ذلك أن تصريح المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، ونفي المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يحمل سوى معنى واحد، هو محاولة من مجلس الوزراء لإرضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة باءت بالفشل حين رفضها هذا المجلس، إصرارا منه على أن يكون رجال القوات المسلحة بمنأى عن العمل السياسي، أي أن مجلس الوزراء في هذا الموضوع كان ملكيا أكثر من الملك، أو عسكريا أكثر من العسكريين.