نحن وفارق الـ1%
"فارق الـ1%" اسم لفيلم وثائقي تم إنتاجه في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ومن إخراج المبدع عبدالمحسن حيات. يتحدث الفيلم عن جسم الإنسان، نحن وفارق الـ1%، بالأخص دماغه الذي استطاع من خلاله صناعة كل التكنولوجيا الحديثة وتطوير الحياة البشرية على مر العصور، وكيف أن هذا الإنسان يختلف في جيناته الوراثية عن الشمبانزي بمقدار 1% فقط، أي أننا نشترك مع هذا الحيوان بـ99%، وهي حقيقة لا تصدق من الوهلة الأولى، لكن قد لا نستغرب من ذلك عندما نرى كيف أن للإنسان قدرة فائقة على التصرف اللاعقلي.
موضوعنا اليوم ليس له علاقة بالفيلم ولا بالعلوم الطبيعية، لكن ما جعلني أتذكر الفيلم هو الرقم 99% المشترك بيننا وبين الشمبانزي، وهو في نفس الوقت يمثل ما استنزفته المرتبات و"الدعومات" من ميزانية الدولة حسب تسعيرة 60 دولارا للنفط في السنة المالية الماضية!أي أنه لو قدر للنفط أن يتراجع لهذا الرقم لدخلت الميزانية العامة للدولة في عجز، ولاضطرت للاقتراض لتسديد فواتيرها وإقامة مشاريعها. ويبدو أننا بحاجة فعلا إلى أن ينزل سعر برميل النفط إلى هذا المستوى حتى يفيق سياسيونا، سواء في الحكومة أو المجلس، وينتبهوا إلى خطورة هذا النهج التخريبي في زيادة الإنفاق العام على الاستهلاك وتدليع الشعب دون أي إنتاج يذكر. المثير في الأمر أن أغلب النواب الذين صوتوا برفض الميزانية النهائية بعد تقليصها هم أنفسهم الذين وافقوا على جميع الزيادات للرواتب والدعم على الخدمات، والتي تمثل مقدار الزيادة في ميزانية هذه السنة عن السنة الماضية وتبلغ 1.5 مليار دينار، وهي مفصلة كالآتي: 550 مليون لزيادة الـ50 دينارا بأثر رجعي، و450 مليون لدعم التأمينات نتيجة الزيادات، و210 ملايين لزيادات العسكريين، و150 مليون للبطاقة التموينية، وحوالي 100 مليون لزيادات المعلمين حسب مقترح الحكومة، مع أن النواب أرادوا ما هو أكثر من ذلك "يعني على منو هالتناقض؟".والمثير أيضا أن هؤلاء النواب الضاحكين على ذقون الناس هم أنفسهم الذين ينتقدون الخلل في التركيبة السكانية مع أنهم مساهمون فيها عبر تأييدهم للكوادر والزيادات العشوائية في القطاع الحكومي، والذي أدى إلى تكدس الكويتيين في هذا القطاع، مما يعني الاتكال على المزيد من الأجانب لإدارة القطاع الخاص وشغل وظائفه.فهل يعقل أن شعبا يتجاوز عدده المليون بقليل يبلغ بند مرتباته حوالي 9 مليارات سنويا (بالدينار طبعا) وتنفق الدولة حوالي 4.5 مليارات أخرى على دعم خدماته من وقود وكهرباء وماء وبدل إيجار وغيرها؟ ما الذي حدث خلال عشر سنوات حتى يتضخم بند الرواتب إلى هذا الحد بعدما كانت الميزانية بأكملها لا تتجاوز 4 مليارات فقط في ذلك الوقت؟إنه الجنون في الإنفاق والضحك على ذقون الناس وتصوير أن كل ما يحدث من فوضى هو في مصلحتهم بينما هو تدمير لقدرة الدينار الشرائية وتضييع لحقوق الأجيال القادمة وتصفية تدريجية لكيان الدولة، فبعد تصرفاتنا هذه كشعب أليس حريا بنا أن نصدق أن ما يفصلنا عن الشمبانزي هو فقط 1%؟!