في مصر اليوم هل ثمة ناصرية ؟!

نشر في 23-02-2012
آخر تحديث 23-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 أ. د. محمد جابر الأنصاري التغيير السياسي المهم الذي شهدته مصر هو إسقاط حكم حسني مبارك الذي هو امتداد لعصر السادات، منذ أن وقع السادات معاهدة "كامب ديفيد" مع إسرائيل وفتح للقطاع الخاص في الاقتصاد (ولكن على العرب أن يتذكروا أن مبارك عمل على إعادة العلاقات المصرية العربية المنقطعة بسبب نهج السادات كما أنه لم يقم بزيارة إسرائيل طوال عهده) وقبل ذلك ماذا كان؟ أليس هو التوجه الناصري القائم على:

1- مواجهة إسرائيل عسكرياً. كمطلب جماهيري.

2- الدعوة الاشتراكية من أجل "العدالة الاجتماعية".

3- دعوة القومية العربية وقيادة مصر للعرب.

4- التمسك بالدولة المدنية التي لا تعنى بـ"الإخوان المسلمين" كثيراً مع أنهم يشكلون إحدى القوى السياسية المناهضة لها وللناصرية.

ولكن "الإخوان المسلمين" الذين حاربهم عبدالناصر هم الذين فازوا في الانتخابات البرلمانية... فكيف يستقيم الحديث عن عودة مصر للناصرية؟... آه: عبدالناصر و"الإخوان"!

إنها قصة طويلة محزنة ومعقدة عنوانها المختصر: الصراع على السلطة!

ثمة روايات متواترة في سيرة عبدالناصر قبل الثورة أنه أقسم على المصحف أمام حسن البنا "مرشد" "الإخوان" على الإخلاص للدعوة.

ومن زملاء عبدالناصر في مجلس قيادة الثورة عدد من الضباط ذوي الاتجاه الإسلامي أبرزهم محيي الدين حسين الذي تولى وزارة التربية والتعليم المصرية لسنوات طويلة "وفي تقديرنا أن عبدالناصر أراد "طمأنة" الدول العربية الأخرى التي كانت تتبع المنهج التربوي المصري بتولٍّ "إسلامي" لوزارة التربية، وكان يواجه هؤلاء في ذلك المجلس ضباطٌ لهم اتجاهات مغايرة، كخالد محيي الدين ذي الاتجاه اليساري، وكان عبدالناصر يمارس "الليبرالية" بينهم داخل المجلس، لا خارجه في حكم مصر! وأزمة "مارس 1954م" عندما انتفضت القوى الليبرالية المصرية ضد الحكم الناصري أشهر من أن تُعرّف.

وكانت الثورة قد أعدمت بعد أيام من قيامها الخميسي والبقري وهما اثنان من قادة الحركة الشيوعية في مصر، مما جعل الحركة اليسارية بعامة تعتبر انقلاباً للجيش وحركة فاشية يمينية، هذا وقد حرص عبدالناصر على زيارة قبر حسن البنا، عندما تمر ذكرى اغتياله، تمسكاً منه أمام الشعب المصري أنه مخلص لذكرى "الإمام الشهيد" الذي اغتالته مخابرات العهد السابق الذي ثار ضده.

وبعد أن اصطدم عبدالناصر بـ"الإخوان" بقي معه، أو لم يعلن العداء له عدد من الإسلاميين، أبرزهم أحمد حسن الباقوري- وزير الأوقاف في عهد الثورة- والداعية محمد الغزالي والدكتور أحمد كمال أبوالمجد وزير الإعلام المصري في حرب أكتوبر 1973م.

وعندما حلت الثورة الأحزاب المصرية، أبقت على جماعة "الإخوان المسلمين" عرفاناً منها للجماعة "لمواقفها الوطنية".

البعض يقول إن هذا هو "الخطأ المصيري القاتل" الذي وقعت فيه "الجماعة"، فكيف تقبل البقاء في ظل عهد يحرم الأحزاب الأخرى؟

وقد جاء عليهم الدور!

فعندما اختار عبدالناصر طريق "التفاوض" مع الإنكليز لتحقيق جلائهم عن قناة السويس، دعا "الإخوان" إلى "الجهاد" لإجلاء قواتهم عن القناة، وتم "تخوين" كل من "يتفاوض" معهم، وكان "الصراع على السلطة" واضحاً في هذا الأمر، والأمور التي تلت.

فقد جاء إطلاق الرصاص على عبدالناصر في الإسكندرية، واتهم في العملية، محمود عبداللطيف، أحد الأعضاء في جماعة "الإخوان" التي اعتبرت "التهمة" ملفقة من الأجهزة الناصرية، واعتبرتها تلك "الأجهزة" مؤامرة مدبرة من التنظيم السري لـ"الإخوان" ومن القيادات الإخوانية حينئذ وتم تقديم ستة من "الإخوان" العاديين والقياديين إلى المشنقة.

وهاج العالم العربي الذي كان إلى حينه يتعاطف مع "الإخوان". وكان بين المقدمين للإعدام القيادي الإخواني القانوني: عبدالقادر عودة الذي قال قبل إعدامه "إن دمي سيتحول لعنة على رجال الثورة"!

وتذكر الناس عبارة عودة تلك عندما حلت هزيمة 1967م التي عُرفت بـ"النكسة"! وزادت منها واقعة إعدام الداعية الإخواني سيد قطب في أغسطس 1966م، وكان قبل ذلك قد خرج من السجن وأصدر كتابه الشهير "معالم في الطريق" الذي انتشر بين الناس في مصر والعالم الإسلامي انتشار النار في الهشيم، وكان السبب المضمر في إعدامه، حسبما أراده اليساريون المتحالفون مع عبدالناصر، بزعامة علي صبري حسبما يقال.

وسرت شائعة في مدينتي المحرق بالبحرين أن "الإخوان"- على قلتهم- في تلك المدينة ذات النضال "العروبي" التاريخي والتي كانت من أعتى القلاع الناصرية في الخليج العربي، قد تجمعوا تحت جنح الظلام قرب "مقبرة المدينة" وذبحوا تيساً "احتفالا" بهزيمة عبدالناصر والثورة!... ونفى "الإخوان" تلك الشائعة.

المهم أن عبدالناصر بعد باندونغ وصفقة الأسلحة التشيكية جاءته حرب السويس 1956م هدية من التاريخ، فقد "خرج على النص" بتأميمه القنال، وكان لا بد أن "يزول" لكنه استطاع أن يصمد ضد ثلاث قوى كانت تكرهها الجماهير العربية: وهي إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، ووقف العرب إلى جانب عبدالناصر، وذلك ما قاده إلى حرب 1967م، التي فرضها الشارع العربي عليه والتي تجرع إثرها مرارة الهزيمة، رغم إعلانه عام 1965م أنه لا يملك "خطة" لتحرير فلسطين.

ويلاحظ في مصر هذه الأيام "مؤشرات" عودة وتعاطف مع الناصرية... "فصحيفة الأهرام"- وهي كبرى الصحف المصرية والتي أحرص على قراءتها يومياً في البحرين- تظهر تعاطفاً واضحاً مع عبدالناصر، سواء في نشرها المقابلات مع الكاتب "الناصري" محمد حسنين هيكل، أو مع الدكتورة هدى عبدالناصر، أو بقلم محررين آخرين. وقد فاز "الناصريون" في انتخابات نقابة الصحافيين المصريين، ويرى المراسل والكاتب الأميركي باتريك تايلر Patrick Tyler أن رجال النخبة المصرية، بمن فيهم رجال الجيش وخبراء الأمن القومي: "قد نشؤوا عن الطوق في ظل عبدالناصر الذي تميز عهده وحكمه بالدعوة إلى القومية العربية غير المساومة"

America in the Middle East: A World of Trouble -- P. Tyler - P. 187 , 2009 , Porto bells Books

وليس مهماً رفع شعارات الناصرية، ولكن أي رئيس مصري سيتم انتخابه، بالإضافة إلى الأغلبية البرلمانية "الإخوانية"، لا بد أن يواجها إسرائيل بطريقة "مختلفة" عن السادات بعد "كامب ديفيد" وعن حسني مبارك، وقد تم حتى الآن تفجير الخط الناقل للغاز المصري إلى إسرائيل 12 مرة! (والحبل على الغارب) ليس بالضرورة إلغاء اتفاقية "كامب ديفيد" من البداية، وإنما العمل على تعديلها لمصلحة مصر والعرب. هذه مسألة من "بقايا" الناصرية، والمسألة الثانية هي مسألة "العدالة الاجتماعية" التي لا يمكن القفز عليها في بلد فقير كمصر.

ولكن المعركة الحقيقية- إيديولوجياً- ستكون في التمسك بالدولة المدنية... أو تجاوزها، وتلك هي "المسألة"!

وإذا صحت التوقعات بأن "ترجيح" انتخابات الرئاسة المصرية هي لمصلحة الأستاذ عمرو موسى، فإنه يبدو الأنسب لمثل هذا التوجّه.

فخلال توليه وزارة الخارجية المصرية لم يظهر "تنازلاً" لإسرائيل، مما أكسبه تقدير المصريين والعرب، وقد خشيت القيادة السياسية السابقة بمصر من ازدياد شعبيته، فرشحته أميناً عاماً لجامعة الدول العربية.

ومن خلال هذا الموقع الإشرافي اقترب أكثر من العلاقات العربية- العربية، وصار بإمكانه اليوم "هندسة" الموقع المصري في الوطن العربي.

كما أن المعروف عنه تأييده للدولة المدنية ويبقى أنه اختيار "موفق" للرئاسة المصرية.

* أكاديمي ومفكر من البحرين

back to top