التقيت بصديق فبادرني بالقول: قبل مدة كتبت مقالا بعنوان "في الطريق نحو حكومة شعبية"، جاء فيه "وبدأت السهام تتجه صوب الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح كما نشير إلى عدد من التصريحات التى تطالب سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح رئيس مجلس الوزراء بالتنحي"، وبما أنك قد تنبأت باستقالة وزير الخارجية ثم استقالة سمو الشيخ ناصر المحمد، والآن ما تصورك للقادم من الأيام؟ كيف تبدو لك الأجواء؟

Ad

نظرت إلى صاحبي واحترت في الإجابة، ثم استجمعت أفكاري وشجاعتي ورددت عليه بالقول: إن الساحة السياسية في الكويت لا تحتاج إلى منجّم أو متنبئ جوي، فما يدور فيها ظاهر ومكشوف، فليس هناك اجتماع سري أو تقرير محدود التداول أو غيرها، فهذه المفردات ليس لها مكان في الكويت، أذكر أني كنت في لقاء مع بعض السفراء المعتمدين في البلاد، وكان محور الحديث ما يدور في الساحة السياسية من أحداث، وقد اتفق الجميع معي على أن الدبلوماسي المعتمد في الكويت لا يتعب كثيرا في الحصول على المعلومات. فجدول أعمال مجلس الوزراء يستطيع الحصول عليه من خلال ما يتداول من أحاديث في "الديوانيات"، أما الجلسة السرية لمجلس الأمة فيمكن توفير ما دار فيها بعد ساعات من انتهائها، أما بالنسبة إلى الانتخابات القادمة وإفرازاتها فالوضع هنا يختلف تماما، إذ إننا هنا أمام لاعب أساسي يتمثل بمزاج الناخب الكويتي الذي يتصف بالتقلب، مع وجود اتجاهات محسومة مسبقا تتمثل بالفزعة للقبيلة أو العائلة أو الطائفة أو لتكوينات حزبية معروفة.

إذن من يحدد المرشح الفائز؟ ومن الطرف الذي يستطيع أن يرجح الكفة؟ إنها في اعتقادي الأغلبية الصامتة التي مازالت لم تحدد اتجاهاتها في انتظار ما تسفر عنه اللقاءات والمحاضرات والبرامج الانتخابية حتى تستطيع أن تكون قناعاتها، ومن هذا المنطلق فلا بأس من طرح تصور قد يتحقق في جزء منه عن ملامح المجلس القادم.

في ظل البروز الكبير لجماعة الإخوان المسلمين في ساحات دول الربيع العربي فالجميع يتوقع فوزاً ساحقاً للحركة الدستورية الإسلامية (حدس) في الساحة الكويتية، خاصة أنها التكتل الذي يتميز بتنظيم رائع ووضوح في الطرح والمنهج وقوة اقتصادية عظيمة، ولكن الملاحظ أن الحركة الدستورية فقدت الكثير من قياداتها التقليدية، وقامت بطرح شخصيات قد لا تبدو مقنعة للشارع والناخب الكويتي لقلة الخبرة ربما، وربما لعدم معرفة الناخب للمرشح معرفة جيدة وسابقة، وهذا سيؤدي إلى فوزهم المتواضع، وذلك عكس التوقعات، خاصة ونحن نعيش عصر الإسلاميين في المنطقة.

أما الحركة السلفية فإن ما ظهر لها من آراء واتجاهات في كل من مصر وتونس وليبيا أدت إلى بروز تخوف لدى فئات كثيرة وواسعة من المجتمع الكويتي، وهذا سينعكس سلبا على نسبة فوزهم، لذا فمن المنتظر والمتوقع أن نشهد تحالفاً وتبادلاً للأصوات بين "حدس" و"السلفية" وبعض المنظمات الإسلامية الأخرى، وذلك لتدعيم نسب فوزهم. أما "العمل الوطني" فسيحتفظ بموقفه السابق مع زيادة قوته بدخول النائب السابق محمد الصقر الذي سيكون رافدا لهذا التجمع الذي يحظي بدعم فئات من المجتمع، وخاصة تلك التي ترتبط معه بمصالح اقتصادية واجتماعية.

أما الكتلة التي يطلق عليها "تجمع الشيعة" مع عدم تقبل هذه التسمية، وخاصة من أبناء الطائفة الشيعية في الكويت التي شاركت في بناء وتأسيس الدولة منذ القدم، ففي اعتقادي أنها ستحقق موقعا أفضل من السابق مع اختفاء بعض الوجوه القيادية.

لعل من أبرز ملامح المجلس القادم بروز طبقة من الشباب ممن يمارس النيابة لأول مرة، والخشية هنا أن يعتمد بعضهم على خبرة النواب المخضرمين وشعبيتهم، وبهذا سيفقدون استقلاليتهم في اتخاذ القرار. أما المستقلون فسيكون عددهم قليلاً ودورهم محدوداًً وسيودي ذلك إلى التحالف مع الكتل الأخرى.

أما "التكتل الشعبي" فسيكون سيد الموقف متوجا بانتصاراته التي حققها من خلال الحشود الشبابية وكسب الشارع واستغلاله للكتل والتجمعات الإسلامية التي دعمت تلك التجمعات والحشود بعناصرها، وسيفرض هذا التكتل الهدوء على المجلس في ظل ما يشاع عن صفقة مع الحكومة لإيصال العم الفاضل أحمد السعدون لسدة رئاسة المجلس، علما أن "التكتل الشعبي" يعتمد أساسا على عمودي ارتكاز هما العم الفاضل بوعبدالعزيز والنائب السابق مسلم البراك وبدونهما ينتفي وجود هذا التكتل.

ويبقى تساؤل: ماذا عن قضيتي الإيداعات "المليونية" واقتحام مجلس الأمة؟ ففي اعتقادي أنه سيتم حفظ القضيتين حسب المبدأ الكويتي "فك الفك" وذلك بالحوار والمقايضة.

وهنا أيضا نطرح تساؤلاً في حالة تولي العم بوعبدالعزيز أو الأخ الفاضل محمد الصقر رئاسة المجلس: أيهما أقدر على إشاعة الهدوء والنجاح في إدارة الجلسات بعيدا عن التأزيم؟

ونتساءل أيضا: من البديل الناجح لكلا الرئيسين؟ إننا مقبلون على أجواء هادئة مع هبات من موجات التحالف ودفء في العلاقة بين الحكومة والمجلس، ونسبه تغيير تتراوح بين 40 و50 في المئة مع غياب بعض الوجوه المعروفة... هذا والله أعلم.

حفظ الله الكويت وقياداتها وأهلها من كل سوء.