أهدتني الزميلة والصديقة ليلى العثمان ثلاثة كتب من أعمالها الأخيرة، وهي حكايات الدفاتر المنسية ومن قلب الغيمة الصادران عام 2010، وديوان شعري باسم وردة الليل الصادر عام 2008، وليلى كريمة جداً في إهداء كتبها، وهو كرم يسم شخصيتها بشكل عام.

Ad

قرأت الكتب الثلاثة معاً، وما سأكتبه لا يقيّم أعمال ليلى، فهي أكبر من أن أقيمها، وكتاباتها المتنوعة ما بين الرواية والقصة القصيرة والمقالات، وأخيراً الشعر تمثل أكثر من 20 عملاً كتب عنها نقاد كثيرون، وليست في حاجة إلى كتابتي، وما سأكتبه ليس إلا انطباعات تكونت لدي مما قرأته من كتبها مثل وسمية تخرج من البحر، فتحية تختار موتها، حالة حب مجنونة، خذها لا أريدها، يوميات الصبر والمر، المحاكمة، العصعص، وهي الرواية التي تمنيت كتابتها ففيها خيال فانتازي عجيب، وليلى صاغتها بطريقتها في شكل الكتابة الاجتماعية التي أتقنتها، ولا أظن أن هناك في الكويت أي من كتابها أو كاتباتها قد استطاع أن يتغلغل في النسيج الاجتماعي الكويتي مثل ليلى التي لديها قدرة على اصطياد والتقاط أدق تفاصيل التفاعلات والانفعالات النفسية الاجتماعية الإنسانية لكل من حولها، وعكسها في تشبيهات وتعبيرات تنبع من قلب الروح الكويتية الصرفة، ففي كتاباتها يدرك القارئ شكل وطبيعة الحياة في الكويت، ويغوص في أدق العلاقات وأرهفها فيها.

استطاعت ليلى العثمان عكس النسيج الحياتي ببساطة وعفوية صادقة لأنها ابنة هذه البيئة ومرآتها الحقيقية، وهي في طبيعتها ليست بعيدة عن طبيعة مجتمعها، فهي ذائبة فيه وهو ذائب فيها، وما كتبته هو خير زاد لمن يريد أن يطلع على صورة الكويت الحقيقية وفهم ماضيها.

وأغلب نساء ليلى يشبهنها، فهن قويات وقادرات وحقيقيات، يملكن القدرة على تسيير دفة حياتهن وتوجيهها إلى الوجهة المطلوبة.

ليلى نموذج للمرأة الحقيقية القابضة على جوهر ما تريده من حياتها، فهي صريحة، شجاعة، إيجابية، قوية، منفتحة، محبة، معطاءة إلى جانب كونها متواضعة تستمع لأي كلمة في أي محاضرة أو ندوة مثل أي تلميذة نجيبة تحب أن تتعلم وتدرك رغم موقعها المتميز في ريادة الكتابة في الكويت، وربما في الخليج أيضا، فليست لدي معلومة مؤكدة ، لكنها أول من مارس الكتابة الأدبية والصحافية فيها، لذا نجد المرأة في كتابتها تشبهها فهي امرأة حقيقية مدركة لوجودها الأنثوي تمام الإدراك، تعرف كيف تسيره وكيف تخيره وكيف تسير معه، ونموذجها هذا هو المنعكس في أغلب كتاباتها، ومعظم بطلاتها هن يملكن هدفهن ومدركن لمعنى وجودهن، وإن كن في الأغلب يعشن بروح رومانسية، هذه الرومانسية تغلف روح ليلى وتنعكس على كتاباتها، فهي لم تتخل عن زمن رومانسي أحبته وعاشت تفاصيله، وأغلب بطلاتها  يعشن في أحلام رومانسية، ولا أقصد بها تلك الرومانسية المائعة الضائعة، لكن ما أعنيه هو عيشهن في عالم يتماثل مع أنوثتهن وواقعهن الاجتماعي.

ليلى استطاعت كشف العلاقات السرية المتشابكة في الواقع النسائي في الكويت، خاصة فيما يتعلق في الأجيال السابقة عن أجيال الإنترنت.

كتابتها الصادقة العفوية السهلة والسلسة هي مضمون تركيبتها وسر نجاحها واستمرارها الذي تحرص وتتفانى فيه وتشتغل عليه بحرفية وبنظام كاتب دؤوب يقدس عمله، الأمر الذي أدركته من كتابها المهدى إليّ، اكتشفت جمعها لأقلام الرصاص التي كتبت فيها رواياتها طوال عمرها، وسجلت أسماء الأعمال كلها، وجمعت قصاصات لكل الأقوال التي أعجبتها، الأمر الذي أدهشني، وكشف لي عن مدى الإهمال والفوضى اللتين أتمتع بهما مقارنة بها.

ليلى عاشقة الكتابة ومحترفة لها بإدمان صادق، وهو ما ظهر في مقالات كتابها الأخير الذي استمتعت بقراءته، ففيه التقاطات جميلة، مثل مقال» أمنيات الطبيعة» التي تتساءل فيها عن ماذا تتمنى الطبيعة في العام الجديد.

وهناك مقال «نافذة لعصفور»، «موضوع السعادة»، «رجال ونساء»، وتشبيهاتها الذكية الساخرة المرحة أدهشتني وأضحكتني، وسوف أسألها عن أي نوع أنتمي إليه في تشبيهاتها، وأيضا هناك مقال «حبل النهار» الذي أشارت إليه لتذكرني بتشابهه مع اسم روايتي الأخيرة.

«تاريخ ضائع» منه عرفت أنها تكتب بألوان أقلام مختلفة تدل على مزاجها وقت الكتابة،» قلب الغيمة» الذي كشف عن روح فنانة تشكيلية.

تبقى ليلى كبيرة، ولها الريادة في الكتابة الكويتية.