غير مقنعةٍ إطلاقاً هذه المبررات التي تسوقها موسكو لتعطيل مشاريع قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالاحتجاجات المتواصلة في سورية، فهذه المجموعة التي تحكم الآن في روسيا هي نتاج ما كان قام به بوريس يلْتسن الذي استغلَّ إصلاحات ميخائيل غورباتشوف، فخرج على الحزب الشيوعي الحاكم وقصف مقر «الدوما» بمدافع الدبابات، وأرسى الخطوة الأولى التي بنى عليها هؤلاء الذين يحكمون الآن، لإقامة هذا النظام الديمقراطي الذي قام على أنقاض شمولية الحزب الأوحد الذي حكم بالحديد والنار أكثر من سنة.

Ad

إن المفترض أن الثنائي الحاكم الآن في موسكو, ديميتري ميدفيديف وفلاديمير بوتين, يعرف أن هذه الزلازل التي تضرب الشرق الأوسط والمنطقة العربية الآن هي نتيجة عدم استقرار المعادلة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي كان ومعه منظومة الدول الاشتراكية يشكلان الرقم المقابل للمعسكر الرأسمالي (الإمبريالي) بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في هذه المعادلة، وهذا يعني أنه كان لا بد من معادلة جديدة في العالم بأسره بعد تصفية أنظمة الحزب الواحد، ذات النمط الستاليني وعلى رأسها بالطبع نظام كوريا الشمالية بقيادة كيمْ جونغ ايل ومَنْ مثله وشبهه في هذه المنطقة.

ما كان لأوروبا أن تستقر وأن تتحد وتتوحد على هذا النحو لو لم تتخلص دول أوروبا الشرقية من أنظمتها البائسة الستالينية الطراز، والمعروف أن أولى محاولات التخلص من هذا الطابع الشمولي الدكتاتوري, دكتاتورية الفرد والحزب التي من قبيل الضحك على ذقون الناس سميت دكتاتورية البروليتاريا, كانت بدأت بالمجر (هنغاريا) في عام 1956 وقد تلتها تشيكوسلوفاكيا في عام 1968 وكان كل هذا عبارة عن إرهاصات لذلك الزلزال الهائل الذي ضرب تلك المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات عقد تسعينيات القرن الماضي.

إنه أمرٌ طبيعي أن يحدث هذا الذي يحدث في هذه المنطقة، فهناك أنظمة مع أنها في حقيقة الأمر كانت تعادي الشيوعيين والشيوعية إلا أنها اقتبست من الاتحاد السوفياتي الطابع الستاليني وشمولية الحكم والحزب الأوحد مع ديكور بائس من أحزاب وتنظيمات وهمية على غرار ما كان قائماً في بلغاريا وبعض دول أوروبا الشرقية، وهذا من غير الممكن استمراره لا هنا عندنا نحن العرب ولا هناك عند غيرنا في كوريا الشمالية وفيتنام والصين مع كل التقدير لما ساد بعد القضاء على عصابة الأربعة والأخذ بنهج المصلح الكبير دينغ سياو بينغ.

لا يمكن أن تستمر أنظمة الحزب الأوحد الستالينية النهج والشمولية الممارسة، فهذا من مخلفات مرحلة تاريخية باتت تزول مع زوال الاتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الاشتراكية، ولذلك فإن سعي روسيا فلاديمير بوتين وديميتري ميدفيديف لتعطيل مشروع قرار مجلس الأمن الدولي الآنف الذكر هو محاولة ستكون بالنتيجة فاشلة لتعطيل حركة التاريخ التي لو أنها توقفت قبل عشرين عاماً لما كانت هناك روسيا الحالية ولما كانت هناك هذه الدول الديمقراطية في أوروبا الشرقية.