للمرة الأولى، وبهذا الوضوح، تثير إقالة رئيس جهاز الحسبة المعروف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية وتعيين رئيس آخر لها في السعودية، هذا الجدل الواسع الذي انتشر في الأخبار ومقالات الرأي، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" التي أصبحت في عالم معولم سريع التغيير بديلاً عن الشارع السعودي. البعض علق السبب على هوية الرئيس الجديد الذي يأتي من خلفية ثقافية أكثر تسامحاً وأقل تشدداً، والذي أعلن يوم تعيينه شعاراً يقول: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منكر"، وقام بتسريح جيش كبير من المتعاونين يلقى على عاتقهم التجاوزات والأخطاء التي تتهرب الهيئة من الاعتراف بمسؤوليتها عنها، في حين يرجع آخرون السبب إلى أنها ردة فعل سريعة ضد حادثة تناقلها الناس عبر مواقع الإنترنت لرجال من الهيئة يقيمون نقطة تفتيش في شارع عام تفتش عن درجة القرابة بين كل رجل وامرأة، وعن شاب يطيل شعره وامرأة لا تغطي وجهها. الجدل حول دور جهاز الحسبة ووظيفته بهذه الجرأة في الصحف السعودية ليس وليد اليوم، بل هو تراكم طويل بدأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أفسحت المجال للحديث حول نتيجة تغول تيار متشدد في أجهزة الدولة ونشره لأدبياته في الشارع السعودي مما أسفر عن أخطاء فادحة، مضافاً إليها الأخطاء المتكررة التي تنشرها الصحف كل يوم عن جهاز الحسبة وآخرها حادثة النعناع، حيث قدم رجال الهيئة حزمة نعناع لطبيبة اعتذاراً لها عن الخطأ الذي ألحقوه بها، بعد أن أوقفوها مع خالها، وسحبوها عنوة لسيارة الهيئة وحققوا معها ثم تبين فيما بعد خطؤهم، وبدلاً من أن تقوم حزمة النعنع بتلطيف الأجواء فإنها عكرتها ونشرت غضباً ضدها. السعودية اليوم تشهد تغيراً هائلاً في تشكلها الاجتماعي، فعلاوة على أنها تضم خسمة ملايين من الوافدين والأجانب، فإن ثلثي سكانها في عمر الشباب والطفولة، وهؤلاء الشباب ولدوا في عصر العولمة وأصبحت الفضائيات والإنترنت والهواتف المحمولة من وسائل عيشهم المنفتح على العالم وعلى الوعي بالحريات الاجتماعية ومنتج الثورات العربية، مما يجعل من الصعب عليهم أن يفهموا كيف يمكن أن تكون أولويات المعروف والنهي عن المنكر تعقب طول الشعر ومنعهم من دخول مركز تجاري بينما هم يقرأون كل يوم قصص الفساد الإداري والمالي في الصحف اليومية، التي تتسبب في حرمانهم من فرص العمل، ومن تحسين معيشتهم، وكيف تمنع فتاة من الوقوف بمطعم لتطلب ساندويشاً، وهي التي خرجت منذ خمسين عاما إلى المدارس والجامعات، وأصبحت تعمل في المستشفى والبنك والرعاية الاجتماعية والإعلام؟ تعيين رئيس هيئة جديد عرف بوسطيته واعترافه بجواز الاختلاط العام، وباللين والدعوة الحسنة قد يغير قليلاً من آلية الهيئة، لكن السؤال الأهم: هل يتفق هذا الدور مع مفاهيم الحياة الجديدة وتغيرات العولمة الكاسحة؟ البعض يرى أن هذا الدور يمكن دمجه داخل هيئات حكومية كحماية المستهلك ووزارة التجارة والأمن العام، وأن تخصيص جهاز خاص بشعيرة لها تفسيرات أدبية مختلفة لن يسفر عنه سوى خلاف سينتقل إلى الشارع السعودي قد يسفر عنه اشتباك وعنف أو يهدد في أقل تقدير حرية شارع لم يعد هو نفسه كما بالأمس.
Ad