صرخة نملة... ارتباك وحسن نيّة

نشر في 24-06-2011
آخر تحديث 24-06-2011 | 00:01
No Image Caption
 محمد بدر الدين لا نستطيع القول إن فيلم «صرخة نملة» يغازل الثورة، لأنه انتهى بلقطات من تظاهرات ثورة 25 يناير 2011، اعتبرها البعض مقحمة.

فالفيلم الذي صُوّر في معظمه قبل الثورة، يزخر بمواقف الاعتراض على الواقع السياسي والاجتماعي والتنديد به، ما يعني أنه حتى لو عرض قبل الثورة، لكان معنى ما يقدّمه: أن كل ما يغلي به الواقع ينذر بانفجار كبير على نحو ما.

الفيلم من إخراج سامح عبد العزيز، صاحب أفلام من بينها: «كباريه»، «الفرح»، مسلسل «الحارة»، وهي تؤكد الموهبة المميزة لمخرجها، وأنه ليس مخرجاً مقتدراً يملك ناصية لغته السينمائية وأدواته الفنية فحسب، إنما يتمتع أيضاً بأسلوب سينمائي له سماته ومفرداته الخاصة، ويدخل بإيقاعه وروحه في الحداثة السينمائية والمفاهيم الجمالية المعاصرة لفن السينما. يؤكد «صرخة نملة» هذه المزايا أكثر ممَّا يمثل إضافة إليها ونقلة. أما مؤلف الفيلم طارق عبد الجليل، فهو بدوره «حالة أصيلة» على غرار المخرج، وله من التجارب ما يؤكد انشغاله الحقيقي بما يُطرح في أفلام سابقة من بينها: «عايز حقي»، و{ظاظا رئيس جمهورية». وعندما أعلنت حكومة ما قبل الثورة توزيع صكوك تمليك أسهم على ملايين المواطنين لإشراكهم في المال العام ومشاريعه، تذكّر الجميع «عايز حقي»، مع فارق أن الفكرة لدى بطل الفيلم كانت تعبيراً عن حالة «الغضب»، بينما لدى الحكومة كانت تعبيراً عن صورة من صور «النصب».

يعود عبد الجليل في «صرخة نملة» إلى الفكرة نفسها، مندداً بأن لدى الحكومة أكذوبة ومحاولة ضمن محاولات كثيرة للإلهاء و{الضحك على الشعب»، ذلك من خلال جودة المصري (عمرو عبد الجليل) الذي يسافر إلى العراق لتحسين أوضاع معيشته وأسرته وزوجته (رانيا يوسف) وطفلهما، هناك تضطرب أحواله ويعتقله الأميركيون بضع سنوات ثم يعود خالي الوفاض، ليُفاجأ أو يُفجع بأن شقيقته تزوّجت شخصاً سيئ السمعة واختفت زوجته بالطفل ليكتشف في ما بعد أنها اضطرت بدورها إلى بيع نفسها.

يتمحور الصراع في دراما الفيلم، حول مسألة البيع هذه، فالبلد ذاته يباع يوماً فيوم وثمة من يمانعون ويقاومون ذلك، فيصمد البعض مثل صديق جودة (أحمد وفيق) ويسقط البعض الآخر مثل جودة نفسه قرب نهاية الفيلم.

يتّجه جودة إلى عضو مجلس الشعب الثري الشره (حمدي أحمد) لينقذه ومواطني المنطقة المسؤول عنها ويساعدهم في الحصول على تصريح للقيام بتظاهرة ولو صامتة! احتجاجاً على أوضاع تعصف بهم وفساد يستشري ويدمّر حياتهم، إلا أن رجل البرلمان والمال الداهية ينجح في شراء جودة وتوظيفه في أمور مشبوهة وجعله يوقّع بدلاً منه عمليات بيع غير قانونية، وحينما يستيقظ جودة ويحاول استرداد نفسه يكون الأوان قد فات.

لا تخلو نهاية الفيلم الأصلية من مغزى مهم، وفيها يحاول جودة اختراق موكب رئيس الجمهورية ليفصح له عن مدى ما وصلت إليه البلاد من تخريب وما وصل إليه الفساد من جنون، وهذا ما اكتشفه بنفسه وعاناه بل وتورّط فيه، فإذا به في لحظة الوصول إلى سيارة الرئيس، يكتشف ونكتشف معه أنها خالية.

فهل ذلك لأن الرئيس شاخ ولم يعد يدرك من أمره شيئاً، أو لأنه كان قد أورث نجله فعلاً وترك له زمام الأمور؟ في الأحوال كافة عند لحظة الوصول إلى السيارة، كانت رصاصات رجال أمن الرئيس أمطرت جسده وأردته صريعاً.

هنا يمزج المخرج والمونتير إسلام لطفي، عبر المونتاج، لقطات من انفجار ثورة يناير الشعبية، مع حوار أضافه المؤلف الى المشهد، فيما يعلن مبارك في خطاب له خلال أيام الثورة أنه يتعهّد بالقضاء على الفساد، يقول فيه صديق جودة ساخراً: «وهل بعد 30 سنة... لا يزال يتعهّد!».

لا يخلو سيناريو عبد الجليل من ارتباك، فتارة نجد بطله جودة على درجة كبيرة من الوعي، حتى بالدستور ومواده والواقع السياسي، فيحاول رفع قضية ضد التعديلات الدستورية التي وضعت كتمهيد لفرض توريث جمال مبارك حكم البلاد.. وطوراً نجد البطل يتهاوى بسرعة في لقاء عضو مجلس الشعب ويقبل الصفقة.

أجاد عبد الجليل دوره، بأداء بين الجدية والإحساس بالشخصية وروح الفكاهة والمزاح، ونجح كلّ من رانيا يوسف وحمدي أحمد في دورين مميزين على قصرهما، واحتفى الفيلم بحضور الممثل العربي الكبير سلوم حداد في دور ضابط مباحث أمن النظام، ونرحّب مع الفيلم بحضوره في السينما المصرية.

back to top