بداية دعونا نؤكد أن الإضراب عن العمل حق ديمقراطي أصيل تضمنه القوانين والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الحكومة، ويجب أن تلتزم بها، ناهيكم عن الضمانات التي يوفرها الدستور للعاملين في الدولة، وبعد ذلك دعونا نتساءل:

Ad

ترى لماذا يضرب العاملون عن العمل؟ هل يضربون كرهاً للعمل ورغبة في الإضراب رغم ما قد يترتب على ذلك من عقوبات مادية وأضرار نفسية وتبعات سلبية على مستقبلهم الوظيفي؟ أم أنهم يضربون عندما يشعرون بالظلم وتسد في وجوههم السبل؛ لأن الإدارة غير مبالية بمطالبهم مما يفقدهم ثقتهم بها ويدعوهم للإضراب عن العمل من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة التي تتعلق بتحسين ظروف العمل وبيئته، والتي من ضمنها تعديل رواتبهم بما يتناسب مع الغلاء ومستويات التضخم النقدي؟!

لو استعرضنا بشكل سريع إضرابات العاملين في القطاع الحكومي للمطالبة بتعديل سلم الرواتب والأجور التي سبق أن نفذت أو هدد بتنفيذها خلال الفترة القليلة الماضية لوصلنا إلى نتيجة مؤداها: أن الأغلبية العظمى من القطاعات الحكومية المهمة والحساسة، قد هددت بالقيام باعتصام أو إضراب أو نفذتهما خلال العامين الماضيين.

وهو الأمر الذي يعني أن أغلب العاملين في الدولة غير راضين عن السياسة الحكومية المتعلقة بالرواتب والأجور، ومستاؤون من سياسة التسويف والمماطلة التي تتبعها الحكومة معهم.

فضلا عن أنه قد ثبت للعاملين في الأجهزة الحكومية من خلال الممارسة العملية أن الحكومة لا تقوم من تلقاء نفسها برسم سياسة صحيحة، لكنها سرعان ما تستجيب للضغوط، فتلغي ما كانت قد اتخذته من قرارات، وخير شاهد على ذلك طريقة تعاملها مع "كادر" القطاع النفطي الذي ماطلت في إقراره ثم أقرته فجأة في اجتماع استثنائي بعد أن حدد اتحاد عمال البترول يوماً محدداً للإضراب العام.

وفي هذا السياق، فإننا نتساءل عن الكيفية التي ترسم فيها السياسات العامة للدولة؟ ولماذا تتراجع الحكومة فجأة عن قراراتها؟ ثم أين الأجهزة الحكومية الإشرافية مثل ديوان الخدمة المدنية؟ وأين المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية؟ وأين خطة التنمية المزعومة وملياراتها؟ وأين الدراسات الاستشارية الأجنبية التي كلفت ملايين الدنانير؟ وأين قيادات الأجهزة الحكومية المختلفة؟ ترى ماذا تفعل كل هذه الأجهزة الحكومية؟ وما عمل "القياديين" إذا كانوا لا يعرفون ما احتياجات العاملين لديهم ولا يستطيعون تغيير الأنظمة واللوائح والهياكل الإدارية والمالية التي عفا عليها الزمن؟

لكن مهلاً... قبل الإجابة عن هذه الأسئلة دعونا نتساءل: ترى هل كل قياديي الجهاز الإداري الحكومي تبوؤوا مناصبهم بناء على نظام الجدارة وتكافؤ الفرص أم أن عدداً كبيراً منهم استلموا المناصب العامة بناء على "الواسطة" والاسم الأخير في البطاقة المدنية، والولاءات الشخصية لبعض "المتنفذين"؟

ثم كم مضى على أغلب قياديي الأجهزة الحكومية في مناصبهم الحالية؟ ألم يمض على بعضهم أكثر من ثلاثة أو أربعة عقود وهم في المناصب نفسها رغم كفاءتهم المتواضعة وقدراتهم المحدودة جداً، وشبهات الفساد الإداري والمالي التي تحوم حول بعضهم؟ فكيف نتوقع من فاقد الشيء أن يعطيه؟

لهذا فإن الإصلاح الإداري مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإصلاح السياسي الشامل والجذري الذي يجب أن يسبق ما عداه من إصلاحات، إذ إنه من دون إصلاح سياسي جذري وشامل فلن تتحقق أي إصلاحات أخرى ذات جدوى سواء إدارية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.