الحسد... صناعة كويتية

نشر في 30-11-2011
آخر تحديث 30-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 يوسف عبدالله العنيزي الحسد صفة مذمومة من الخالق جلت قدرته، حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "ومن شرّ حاسد إذا حسد"، فهذه صفة في الإنسان منذ خلق الله سيد البشر آدم عليه السلام، ولولا الحسد لما قتل قابيل أخاه هابيل، ومع أن هذه الصفة تشمل العالم بأسره، فإننا أعدنا صناعتها وتركيبها وتحسينها وإدخال إضافات عليها حتى غدت صناعة كويتية 100% ذات امتياز خاص، ونالت شهادة "الأيزو" للجودة، فانتشر والعياذ بالله الحسد بين الناس حتى غدا جزءاً من حياتنا الاجتماعية خصوصا في الحقبة الأخيرة، وتجاوز الحسد بين الناس إلى الحسد داخل المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص أيضا.

والواقع أن ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات ما شاهدته من خلال المحطات الفضائية عند افتتاح منتدى دافوس في البحر الميت في الأردن الشقيق، وقد كنت أمثل بلدي في ذلك المنتدى أثناء عملي سفيراً لبلدي لدى المملكة الأردنية الهاشمية، من ضمن ما شاهدته أثناء انعقاد ذلك المنتدى قيام المحطات الفضائية بإجراء حوارات ولقاءات مع أصدقاء كانوا زملاء لنا في العمل، وقد أصبحوا ممثلين الآن لمنظمات وهيئات ومؤسسات عربية وإقليمية ودولية، ولا نقول ذلك حسدا من عند أنفسنا، بل نقول "عليهم بالعافية"، فما تأتّى لهم ذلك إلا من خلال ترشيح دولهم لهم لتولي هذه المناصب، ولكن للأسف لم نجد بين ذلك الجمع أي شخصية كويتية، والسبب طبعاً الحسد والعياذ بالله، على الرغم من أن بلادنا تمتلئ بالكفاءات الوطنية الخلاقة والتي تفوق بعض تلك الشخصيات العربية مع احترامنا وتقديرنا للجميع.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فعندما كنت أشغل منصب مندوب دولة الكويت لدى المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية في مدينة لاهاي في مملكة هولندا الصديقة، وعند خلو منصب الأمين العام لهذه المنظمة تسابقت الدول لإعلان مرشحيها لتولي ذلك المنصب الدولي المهم المرموق، ولكن كالعادة للأسف لم يكن من بين المرشحين أي شخصية كويتية ممن نعتز ونفتخر بهم، على الرغم من أن الكويت عضو فاعل في المنظمة، وتم اختيارها لتولي منصب عضو في اللجنة التنفيذية، حيث يمثل الكويت فيها الأخ الفاضل د. محمد بوزبر وكيل وزارة الدفاع المساعد، وأنا على يقين بأنه لو كان هناك مرشح كويتي لمنصب الأمين العام لنال الدعم من عدد كبير من الدول، وذلك نظراً لما للكويت من مكانة دولية كما أن لها "دالة" على الكثير من دول العالم.

من ناحية أخرى، وفي ظل التوجه الحكومي المحمود لتدعيم علاقات الكويت الدولية مع العديد من دول العالم المختلفة والمتمثل بفتح سفارات جديدة في عدد من دول العالم في جميع القارات، فإن تولي شخصيات كويتية لمناصب دولية وإقليمية أو عربية يدعم بلاشك هذا التوجه نحو المزيد من الوجود الكويتي على مساحة العالم ومنظماته.

لنترك الحسد جانباً كفانا الله شره من أجل هذا الوطن الطيب، لنترك هذه الصفة المذمومة والتي قال فيها الشاعر:

لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله

كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

وللأسف، فإن الحسد عندنا تجاوز الحدود، فالموظف الناجح محل حسد، وكذلك التاجر الناجح والمسؤول والشركة وكل ما يخطر ببالكم، ولعل أطرف ما سمعت عن الحسد قول البعض "صج فلان عمي ولكن عيونه وسيعة"، فعلى الرغم من فقده نظره لم يسلم من الحسد. كفانا الله وبلادنا من شر حاسد إذا حسد.

وحفظ الله الكويت وقيادتها وشعبها من كل مكروه.

back to top