برأيي أن الإضرابات التي قادتها نقابتا النفط والجمارك لن تكون الأخيرة ولا شبه الأخيرة، بل ستكون البداية التي فتحت شهية المطالبات الوظيفية للحكومة بزيادة البدلات والامتيازات الوظيفية التي تمنحها الدولة للموظفين في القطاع الحكومي، لأن الخاص في وقته الحالي مستعد لترحيل نصف موظفيه إزاء ما يعانيه من عوائق مالية. وهذا القدر من القضية لن أتناوله بكثير من التفصيل لأنه هم المهتمين بالنشاط النقابي وشغلهم الشاغل، لكن ما أود تناوله وبتجرد قانوني موجه للسلطة التنفيذية عن ماهية الدروس والعبر التي استفادت منها جراء موجة الإضرابات والعصيان الوظيفي التي أقدم عليها بعض الموظفين، متسببين تارة بقصد أو من دون قصد وأفترض هنا حسن النوايا لأنهم أصحاب مطالب، وأقول من دون قصد، في العديد من الخسائر المادية على المراجعين وعلى الدولة بشكل عام ولأيام متواصلة، فماذا هي فاعلة؟ هل النصوص القانونية التي تحمي مقدرات الدولة وأموالها ومصالحها كافية للتطبيق إزاء من يحاول العبث باقتصاد البلد؟ وهل الدولة قادرة على سد النقص والعجز الوظيفي الذي أحدثه الإضراب الوظيفي، أو ما يسميه البعض العصيان الوظيفي؟ وهل الدولة ملزمة بتوفير هذه البدائل خشية ضياع حقوقها والتزامها تجاه الغير بالعديد من الغرامات التأخيرية أو بالعديد من الضرائب الدولية أو خلافه من التزامات يتعين على الدولة توفيرها تجاه الغير؟

Ad

لا يعنيني الحديث هنا عن أحقية الموظف في القطاعين العام والخاص في الإضراب بقدر ما يعنيني هنا الحديث عن اقتصاد البلد والحفاظ على ثرواته والعمل على تسيير مصالحه؟ فهل وضعت الدولة خططا بديلة فيما لو أقدم ثلاثة أرباع موظفي الدولة على الإضراب عن العمل مطالبين بكادر وظيفي أياً كان اسمه؟ وهل الدولة استعدت لذلك؟!

وبالقدر الذي يمكن للدولة معالجة الآثار التي خلفها التهديد بالإضراب من قبل موظفي القطاع النفطي والإضراب الذي نفذه موظفو الجمارك عبر يومين متتاليين وبتعمد واضح من أحد مسؤولي هاتين النقابتين للسعي نحو التعطيل المتعمد لوقف صادرات النفط والإضرار بالحياة الإقتصادية في البلاد بسبب ضعف بدلات موظفي تلك الإدارة، وكان القرار إما المطالب وإما تعطل الدولة ومصالحها واقتصادها من أجل عيون وخاطر موظفي هذه الإدارة؟!

ومثل هذا السلوك بقدر ما يفتح باب المساءلة الوظيفية للموظف العام وذلك لتعمده تعطيل المرفق العام رغم ما يتذرع به من أنه يستمد شرعية الإضراب من الإتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الكويت ودخلت حيز التنفيذ، إلا أن تلك الإتفاقيات وضعت شرطا لسلامة تلك الإضرابات، وهو شريطة ألا تعطل تلك الإضرابات المرفق العام، فكيف الحال إذا ما لحق التعطيل إقتصاد البلد ومصالحه؟ هذا أولا.

الأمر الآخر، فإن السلوك السابق يشكل إحدى الجرائم المنصوص عليها بقانون أمن الدولة، والذي يحظر المساس والتأثير على إقتصاد البلد، فكيف الحال بمن نصب نفسه مسؤولا عن إقتصاد البلد ومصالحه، وداعيا إلى تعطيل مصالح البلد ووقف صادراته؟ هذا برأيي تصرف تجاوز حدود الوضع الطبيعي للإضراب المتعارف عليه إلى الإضرار بإقتصاد البلاد ومصالحها، وهنا تبدلت المصالح الخاصة على المصالح العليا للبلاد، وإلا كان بمقدور مطلق تلك التصريحات النارية أن يلتزم بمطالب الموظفين التي كانت وراء هذا الإضراب، بعيدا عن التهديد والوعيد بالإلحاق أشد الضرر بمصالح البلاد وإقتصادها وتعريض مصالحها لخطر الغرامات من الغير.

أخيراً، بقي أن تسعى النقابات الى شرح نصوص الإتفاقيات التي وقعت عليها الكويت وتكفل حق الإضراب وليس الدستور كما تحدث بذلك أحد المسؤولين بشيء من التفصيل، حتى يحافظ الإضراب على قيمته ومعناه القانوني، وحتى لا يطال العقاب الجنائي من يجهل تلك النصوص ويحاكم على ذمة قضية أمن دولة في الغد، وحينها سيتذرع بجهل القانون!