لأسباب كثيرة لم أكن أتصور أن تسنح لي فرصة لزيارة فيتنام، ولكن ها هي الفرصة قد سنحت وها أنا هناك. صور كثيرة تتداعى بسرعة حول البلد والمعركة التي كان يفترض أن تكون نهاية التاريخ أو بداية التاريخ إن شئت. كم كانت الأفكار ساذجة وعفوية. شهدت فيتنام وهي في قلب ما أسماه الفرنسيون الهند الصينية، التي تشمل فيتنام ولاوس وكمبوديا صراعاً دولياً لم يتوقف أبداً كانت أواخره الهيمنة الفرنسية التي بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى مغادرتهم نهائياً في 1956 تحت مقاومة عنيفة إلا أنه ما إن انسحبوا حتى حل محلهم الأمريكان، وكان ذلك في إطار الحرب الباردة والحروب بالوكالة بين أميركا والصين والاتحاد السوفياتي. حرب فيتنام كانت عنيفة بكل المقاييس. راح ضحيتها ما يزيد على 60000 جندي أميركي وقرابة 3 ملايين فيتنامي. لا يمكن أن تكون أكثر دموية من ذلك بل إن عملية فينيكس وحدها، التي لم تكن تابعة للجيش بل تابعة للمخابرات المركزية، راح ضحيتها ما يزيد على 70000 فيتنامي أغلبهم من المدنيين. كان الأمريكان يستخدمون سياسة الأرض المحروقة فتقوم طائرات البي 52 بقذف القنابل بكثافة هائلة بدون تمييز. من جانبهم أبدى الفيتناميون بسالة وذكاءً أذهل الأمريكان إلى أن أرغموهم على الهرب، ولن نقول الانسحاب من سايجون سنة 1975. كان هروباً أسطورياً. ولعلها من غرائب الأمور أن يقوم السفير الأميركي بسايغون قبل بضعة أشهر من سقوطها بطمأنة وفد من رجال الأعمال الأمريكان بأن الأمور تحت السيطرة وأن سايغون أفضل مكان للاستثمار، وأنهم يجب ألا يستمعوا للدعاية المعادية القادمة من الشمال. ولم تجد هوليوود أسوأ من فيلم صائد الغزلان لتزوير ما حدث في فيتنام. هكذا لم يكن الهروب الأميركي من فيتنام نهاية تاريخ كما أشيع، ولم تتعلم القوة العظمى في العالم الكثير كما يبدو، فعقيدة التدمير مستمرة ولا يبدو أنها ستتوقف ربما حتى ينتهي حكم العسكريتاريا التي تسيطر على مفاصل الحياة في أميركا لكي ينتهي وجهها البشع ويظهر مأتم طمسه من وجه إنساني خلاق مبدع.
أخر كلام
أحاديث على ضفاف نهر الميكونغ
24-08-2011