للمرة الأولى منذ أشهر، لم تخترق أصوات القنابل أو الرصاص سماء طرابلس، بل أُطلقت الألعاب النارية في الفضاء ترحيباً بمصطفى عبدالجليل، رئيس الحكومة الليبية الموقتة، لدى وصوله إلى ساحة الشهداء التي اكتسبت اسمها حديثاً في العاصمة الليبية.

Ad

فبعد أن كان وزير العدل السابق يبدو ضعيفاً في عهد معمر القذافي، وكان قد انتقل في 10 سبتمبر من مقره القديم في مدينة بنغازي الشرقية، طمأن الحشود في تلك الليلة إلى أن ليبيا الجديدة ستكون بلد تسامح ورحمة وبعيدة كل البعد عن التطرف ومنفتحة على كل من يريد المشاركة في رسم معالم مستقبل مشترك.

تحمّس الحاضرون، الذين بلغ عددهم 10 آلاف شخص تقريباً، تجاه رمزية الخطاب وليس مضمونه، ففي هذا المكان تحديداً، ألقى القذافي خطبته الأولى في شهر فبراير، حين حث شعبه على مطاردة وقتل الثوار "الجرذان" الذين تجرؤوا على التظاهر ضده، مع أن القذافي كان يقف حينها في أعلى أسوار القلعة القديمة التي تطل على الساحة الخضراء بينما وقف عبدالجليل على منصة متواضعة.

مع أن عهد القذافي دام أربعة عقود وانتهى قبل أقل من شهر، تبدو تلك الحقبة قديمة جداً، ففي هذا الإطار، يقول رجل عائد من المنفى ويتذكر المخاوف التي كانت تنتاب الجميع من المخبرين: "لم أعتد بعد على قول كل ما أريده أمام الغرباء، لكن تبدو المدينة طبيعية الآن كأي مدينة أخرى في بلد طبيعي".

لكن لن تستعيد ليبيا وضعها الطبيعي بمعنى الكلمة طالما يبقى القذافي هارباً، إذ تسيطر القوات الموالية له على مساحات شاسعة من المناطق النائية، وفي 12 سبتمبر، وجّه رجاله ضربات جريئة على مواقع الثوار، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً في غارة استهدفت منشآت نفطية في رأس لانوف.

استاء الجميع بسبب تباطؤ تطور "الألوية" المتنوعة التي يتألف منها الجيش الليبي الجديد، كذلك، لم يعلن المسلحون الموالون للقذافي في مدينة سرت الساحلية وفي بلدة بن وليد الهزيمة بعد، مع أنهم وقعوا تحت حصار أعداد كبيرة من المقاتلين الثوار المدعومين من قوة جوية تابعة لحلف الأطلسي. لقد تجنب المحاصِرون شن اعتداءات شاملة خوفاً من قتل المدنيين وتعميق مشاعر العداء بين المناطق.

يقول البعض إن هذا التأخير يعكس المخاوف السائدة في أوساط المجلس الوطني الانتقالي المؤلف من 43 عضواً بقيادة عبدالجليل، وتتعلق تلك المخاوف بواقع أن إنهاء القتال العسكري قد يمهّد لنشوء مشاحنات سياسية أصعب، وقد تبنّت بعض الخطابات نبرة قاسية منذ الآن.  يحظى عبدالجليل باحترام كبير، لكن في المقابل لا أحد من الوزراء في اللجنة التنفيذية التابعة للمجلس– هي لجنة مشابهة للحكومة وقد انتقلت الآن من بنغازي- محصّن ضد الانتقادات.

يميل الليبراليون إلى التذمر من أن المجلس الوطني ليس منتخباً، تماماً مثل المجالس المحلية الجديدة، وفي المقابل، يشتكي الإسلاميون من أن المجلس يضم نسبة كبيرة من العلمانيين والتكنوقراط بدل أن يشمل الثوار الصالحين، وعلى صعيد آخر، يشعر بعض عناصر الجيش بالاستياء من سيطرة المدنيين، بينما يلاحظ ليبيون آخرون وجود انحياز واضح لمصلحة مناطق وقبائل معينة.

كذلك، يبدي الشباب استياءهم من وجود مسؤولين مسنّين داخل الحكومة، لا سيما أن كثيرين منهم كانوا يتولون مناصب في عهد النظام القديم، فخلال وعظة في أحد المساجد، يُقال إن أسامة الصلابي- زعيم إسلامي نافذ من بنغازي وهو على ارتباط بالإخوان المسلمين ويحصل على التمويل من قطر- ذهب إلى حد اعتبار أن محمود جبريل، رئيس اللجنة التنفيذية الذي يؤدي عملياً دور رئيس الحكومة، "يقتات على الجِيَف".

وسط تبدل الأوضاع في ليبيا وفي ظل غياب أي صحافة محلية ناشطة، يصعب تقييم مدى تأثير هذه الانتقادات اللاذعة، فقد أعلن مسؤول سابق في مجال الترويج الاستثماري، كان قد بذل الكثير لمنح الشرعية للمجلس، أنه سيشكل قريباً حكومة جديدة وتمثيلية بمعنى الكلمة، ويقول صاحب أملاك خرج للتسوق في أحد أسواق طرابلس: "أهمّ ما في هذه الحكومة هو أن أعضاءها يتحلون بالنزاهة ولن يبقوا في مناصبهم طويلاً، فنحن لا نريد الإسلاميين ولا نريد الليبراليين، والأهم من ذلك هو أننا لا نريد بأي شكل أن يظهر زعيم جديد يملي علينا ما يجب أن نفعله أو نفكّر به".

* الإيكونوميست