منذ بداية ثورات الربيع العربي ومراكز البحوث في الدول الغربية منكبة على دراسة طبيعة الثورات الشعبية، والأسباب التي أدت إلى قيامها في أكثر من بلد عربي، خصوصاً في مصر التي تمثل ثقلاً استراتيجياً في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من أجل التنبؤ بشكل الأنظمة السياسية التي ستنتج عن هذه الثورات، وإلى أي مدى تستطيع الدول الغربية أن تجعل منها أنظمة حليفة لها، لاسيما أن الكثير من الدول الغربية ومراكز مخابراتها وبحوثها قد فوجئوا بنجاح الثورات الشعبية وبأساليبها السلمية الراقية وسرعة إسقاطها للأنظمة الاستبدادية التي أنشأت خلال عقود طويلة أشكالاً متعددة ومخيفة من أجهزة المخابرات ودوائر الأمن الخاصة بحماية أفرادها، إذ إن أمن الدولة في الدول الاستبدادية هو أمن أفراد النظام الحاكم وحاشيته.

Ad

ومن ضمن أهم "التوصيات" التي كانت بعض مراكز البحوث الغربية المهمة تدعو إلى تبنيها هي تسويق النموذج التركي "بعد التعديل" من أجل قطع الطريق على القوى الثورية والديمقراطية التي تطمح إلى بناء دول مدنية ديمقراطية مستقلة عن النفوذ الرأسمالي الغربي.

وهذا الأمر يتطلب ضمن أمور أخرى فتح قنوات الاتصال مع الجماعات والتيارات الإسلامية، خصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين" باعتبارها حركة عالمية لها امتداداتها وتأثيرها في الدولة العربية سواء شعبياً أو حتى رسمياً، وتملك مؤسسات مالية عالمية ضخمة تستطيع الاستفادة منها لمد نفوذها "الشعبي" فضلاً عن طبيعة تركيبتها الطبقية والحزبية، وتوجهها العام الذي يدور في فلك النظام الرأسمالي ولا يخرج منه البتة.

ليس ذلك فحسب بل إن المطلوب أيضاً، بجانب محاولة تبني النموذج التركي المعدل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، هو استخدام حركة "الإخوان المسلمين" والجماعات الإسلامية الأخرى ليكونوا بمنزلة "جسر" لفلول الأنظمة الاستبدادية الساقطة وللثورة المضادة ومن يؤيدها إقليمياً ودولياً من أجل العودة إلى الحكم "من الشباك"، بعد أن أخرجتهم الثورة الشعبية من الباب، وهو ما يتضح الآن في كل من مصر وتونس رغم أنه من المعروف أن حركة "الإخوان المسلمين" والجماعات السلفية لم تشارك أصلاً في بدايات ثورات الربيع العربي، وغلب على الكثير من مواقفهم في ما بعد سمة التردد والتشكيك في المواقف التي تتخذها القوى الثورية.

هذا بالطبع لا يعني أن حركة "الإخوان المسلمين" غير واعية لهذا السيناريو أو أنها بهذه السذاجة السياسية التي تجعلها تؤدي دور "الجسر" للثورة المضادة دون أي مقابل، لكنه على ما يبدو انعكاس طبيعي لفكر "الجماعة" الذي يتميز بدرجة كبيرة من الانتهازية السياسية، خصوصاً أن أغلب الدراسات تشير إلى أن هناك "تعطشاً" في صفوف الجماعة للوصول إلى السلطة السياسية بأي ثمن، لأنها لم تتمكن منذ إنشائها عام 1928 من الوصول إلى السلطة بل تعرضت للبطش والتنكيل والتعذيب رغم تحالفها وقربها في فترات تاريخية معينة من بعض الأنظمة الاستبدادية الساقطة أو التي لم تسقط حتى الآن.

فهل يا تُرى ينجح سيناريو استخدام "الإخوان" والجماعات الإسلامية من قبل قوى الثورة المضادة كجسر لإجهاض الثورات الشعبية التي قامت من أجل بناء مجتمعات مدنية ديمقراطية حديثة تحفظ حقوق وكرامة مواطنيها كافة، أم أن تحالف القوى الثورية والديمقراطية سيفشله؟ هذا ما ستجيب عنه أحداث الأشهر القليلة القادمة في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية.