هل سيفعلها الأسد يا ترى؟!
لا أحد يستطيع التكهن، وبما في ذلك العرافون وأشهر ضباط المخابرات في العالم بأسره وأهم المحللين السياسيين في الكرة الأرضية، بما إذا كان نظام الرئيس بشار الأسد وعائلته وأخواله سيصمد أمام هذه الثورة الشعبية الهائلة التي باتت تجتاح سورية، محافظة محافظة ومدينة مدينة وبلدة بلدة وقرية قرية وضيعة ضيعة و«زنقة» زنقة وفرداً فرداً، فالأرياح تصافقت والدروب تشعبت والأمور ازدادت تعقيداً وباتت غير ممكنة العودة وعلى الإطلاق... على الإطلاق إلى ما كان عليه الوضع يوم الخامس عشر من مارس الماضي.عندما تسيل الدماء بكل هذه الغزارة وعندما يركب مراهقو النظام رؤوسهم على هذا النحو ويتمسكون بدرس حماة في عام 1982 الذي كانت محصلته إزهاق أرواح أربعين ألف مواطن سوري فإنه لم تعد هناك إمكانية للملمة الأمور، ولا لانتظار لا وساطة عربية ولا دولية على غرار ما جرى وما يجري في اليمن، غير السعيد، وفي «الجماهيرية العظمى»... التي يبدو أنها ستفقد هذا الاسم قريباً، والخوف كل الخوف أن تمزقها لعبة الأمم إلى ثلاثة أجزاء.
لقد استخدم مراهقو نظام الرئيس بشار الأسد أقصى أشكال القوة المفرطة، وعمت عمليات التدمير والذبح العشوائي كل المدن السورية بدون استثناء، وبما في ذلك دمشق وحلب اللتان كانتا توصفان بأنهما معقل البرجوازية المتحالفة مع النظام، والتي بحكم تكوينها تتحالف مع كل من له الغلبة، ولكن ومع ذلك فإنه لا توجد مؤشرات على وجود أي نية للتراجع، وأيضاً على عدم وجود أي مؤشرات على أنه لدى هذا النظام أي استعداد لمراجعة مسيرة الأربعة أشهر وأكثر الماضية، والبحث عن حلول غير حلول العنف الدموي، وهذا يجعل هذا البلد بانتظار كارثة محققة. كيف يستطيع الرئيس بشار الأسد، حتى وإن تمكن من قمع هذه الثورة المتعاظمة وإطفاء لهيبها وبقي في الحكم، أن يضع رأسه على وسادة من ريش النعام وينام ليله الطويل وهو يعرف بحكم أنه قرأ تاريخ الانقلابات العسكرية كلها، بما فيها انقلاب أبيه على رفاقه، أن ثأر جبل العرب (السويداء) لاحق أديب الشيشكلي حتى البرازيل، وأن نهايته كانت هناك برصاصة أطلقها على صدره شاب درزي من الذين فقدوا الكثير من ذويهم في عمليات قمع كعمليات القمع التي يقوم بها ماهر الأسد الآن بأوامر صارمة من شقيقه رئيس الجمهورية...؟!كان الشعب السوري قد راهن على بشار ذات يوم عندما خلف والده، الذي ستبقى مجازر حماة تلاحقه وتلاحق ذريته إلى الأبد، بأنه سيخرج سورية من عصر الظلمات والشمولية والقمع وحكم الحزب، الذي لم يعد حزباً أولاً بعد حركة فبراير (شباط) 1966، ثم بعد الحركة التصحيحية 1970، إلى عصر النور والتعددية والديمقراطية وكرامة الإنسان المواطن، لكن هذه المراهنة فشلت وللأسف، وثبت أن الخل أخو الخردل وأن الشبل من ذاك الأسد.والآن ورغم هذه التجربة السابقة المحبطة فإن الأفضل لهذا الشاب الذي هو أب لأطفال في أعمار الورود أن يغتنم هذه الفرصة التاريخية ليؤكد أن انحيازه لشعبه، الشعب السوري، يتقدم على تمسكه بالحكم وعلى عرش أصبح يرتكز على جماجم الأبرياء، وليبادر إلى التنحي وتحديد فترة انتقالية يرعى خلالها انتخابات ديمقراطية بالفعل، تشريعية ورئاسية، يقول فيها السوريون رأيهم ويختارون من يريدونه... وحقيقة... حقيقة إنه إذا فعل هذا فإن التاريخ سيدون اسمه كأهم من مرّ على سورية من حكام من معاوية بن أبي سفيان حتى الآن... فهل سيفعلها بشار الأسد يا ترى...؟!