مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل كل الحق أن ينسحب من مؤتمر "أصدقاء سورية"، الذي انعقد يوم الجمعة الماضي في تونس، وأنْ يقول كل ما قاله، إذْ غير معقولٍ وغير مقبول أن تبقى هذه اللقاءات والمؤتمرات تتنقل بين العواصم في هذه المنطقة وخارجها وتكرر الكلام نفسه، الذي كان قد قيل منذ البدايات عندما لم تكن الأمور قد وصلت إلى ما وصلت إليه ووقتها كان غير مستغرب أن تكون هناك دعوات للتفاهم سلمياً بين نظام بشار الأسد والشعب السوري الذي كانت مطالباته تقتصر على بعض الإصلاحات الضرورية والجوهرية ولم تصل بعد إلى رفع شعار إسقاط هذا النظام نفسه. عندما يتواصل التنكيل بالشعب السوري "النبيل" فعلاً، كما وصفه الأمير سعود الفيصل في خطابه في اجتماع "أصدقاء سورية" في تونس، على مدى كل هذه الفترة، التي اقتربت من إتمام عامٍ بأكمله، فإن المفترض أن تكون قرارات لقاءات يوم الجمعة الماضي حازمة وحاسمة وكفيلة بردع هذا النظام ومنعه من مواصلة ارتكاب المجازر التي يرتكبها، والتي أسفرت عن نحو عشرة آلاف قتيل وعشرات الألوف من الجرحى وأضعاف أضعاف هذه الأعداد من المعتقلين والمفقودين، بل كفيلة بحمله على التنحي والمغادرة بعد أن فقد شرعيته بصورة نهائية. لكن غالبية هؤلاء "الأصدقاء"، وفي مقدمتهم رموز الدولة المضيفة، لم يرتقوا بمواقفهم إلى مستوى ما يجري في سورية من مذابح وهم ظلوا يدورون في الحلقة المفرغة السابقة نفسها أي أنهم استمروا في التعامل مع ما يتعرض له الشعب السوري على أنه مجرد إشكالٍ إنساني بالإمكان معالجته بالخبز والمواد الطبية وفي أحسن الأحوال بالممرات الآمنة لإيصال هذه الاحتياجات التي غدت ملحة إلى مستحقيها في المدن السورية وهذا ما جعل الأمير سعود الفيصل يقذف بهذا الحجر الكبير في المياه الراكدة ويعلن احتجاجه على معالجة قاصرة وأقل كثيراً مما هو مطلوب للتعاطي مع أزمة باتت مستفحلة وطاحنة فعلاً، ثم يعلن الانسحاب احتجاجاً على البيان الختامي القاصر الذي أصدره هؤلاء "الأصدقاء". كان الأمير سعود الفيصل، الذي ذهب إلى هذا الاجتماع مستنداً إلى موقف المملكة العربية السعودية الحازم والواضح والصريح إزاء ما أصبحت عليه الأوضاع في سورية، يتوقع أن الضمير العالمي بات يدرك حجم المأساة التي تحل بالشعب السوري وأن هذه الدول "الصديقة"، بعد عام كامل من حمامات الدماء والبطش البدائي الذي لا حدود له وفي ضوء ممارسات نظام الرئيس الأسد وتصرفاته، غدت مقتنعةً بأنه لابد من الكيِّ على اعتبار أنه آخر الدواء وأنه لابد، بعد أن ثبت أن المناشدات الوجدانية لا قيمة لها، من استخدام القوة الرادعة وأنه لابد على الأقل لوقف كل هذا الذي يجري ووضع حدٍّ له من تسليح "الجيش السوري الحر" وتوفير مناطق حظرٍ جويٍّ له كي يستطيع القيام بواجبه تجاه شعبه وكي يتمكن من الدفاع عنه وحمايته من بطش بدائي تجاوز كل الحدود.
Ad