كنا ضحية الإعلام سنوات طويلة سبقت تحول الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة تربطها منتجات العولمة الحديثة. والإعلام الماضي كان يراهن بخبرائه محدودي الخبرة على حقيقة بدت صحيحة في تلك الأيام الخوالي تتمثل في أن المتلقي العربي لا يجد وسيلة اتصال مع الخارج إلا من خلال ما تبثه الماكينة الإعلامية المتوافرة في البلد وهي القنوات الرسمية للدولة. فالصحف ملك الدولة بطريقة أو بأخرى ويتم تعيين رؤساء تحريرها ومحرريها وفق انتمائهم للنظام، والتلفزيون والإذاعة ملك خالص للدولة وتعين الدولة موظفي الجهاز الإعلامي بدءا من الوزير وانتهاء بالمذيع لإظهار وجه النظام المغاير للحقيقة.

Ad

بدأت مدرسة صدام حسين الإعلامية في فترة الثمانينيات باستغلال الإعلام داخل الدولة وخارجها، وأنفقت مداخيل ما سمي بالمجهود الحربي على الصحف العربية بأنواعها حتى بقي صوت الصحاف يكذب وحيدا، وانفض عنه مناصروه ليلقي آخر كذبة قبل دقائق من احتلال بغداد بدبابتين ويختفي نهائيا من المشهد.

تغير الحال– حسب اعتقادنا– وامتلأ الفضاء بالمعلومة الإخبارية والإعلامية، وأصبح الإنسان في أي موقع من العالم يستطيع بث رسالة إعلامية وينقل حدثا ما عبر جهاز صغير في جيبه، إلا أن الكثير من دولنا التي تشهد ثورات عربية ضد أنظمة قمعية مازالت تراهن على إعلامها وثقة الناس بما تبثه وسائلها المختلفة. وكثر أشباه الصحاف في ليبيا وسورية واليمن بطريقة مثيرة للشفقة على حالة الاستغفال التي تمارسها هذه الوسائل الإعلامية.

في ليبيا يخرج علينا رجل أشبه بالمهرج متخذا من سيده القذافي قدوة في العبارات النابية والألفاظ السوقية، ويستمر يكذب على نفسه أولا وهو يحاول ترقيع الوضع المهشم في مدن ليبيا التي يحتلها الثوار. يوسف شاكير شخصية فريدة في الإعلام العربي تجاوزت الصحاف بمراحل ويبدو أن النظام لاحظ كم الاستهزاء بما يبثه هذا الدجال على مدى ساعات فاستخرج شخصية تشبه الصحاف تماما على اعتبار أن تحقيق ما هو أبعد من ذلك يبدو ضربا من الخيال. فأخرجت الشاب الدكتور موسى إبراهيم ليظهر صورة الرجل الكاذب بأناقة، فهو حسن المظهر مقارنة بالصحاف ولكنه أشد نفاقا لسيده القذافي من الأول، فهو يصف الثوار بأنهم مجموعة متمردة لا تتعدى عشرين شخصا في كل حي يدخلون الأحياء ويغتصبون ويقتلون ويرعبون الأهالي.

وحكاية العصابات الإرهابية التي يبني عليها إعلام النظام خطابه الإعلامي تمتد إلى سورية التي تصور الجيش بمظهر الطفل البريء الذي يدافع بدموعه وأظفاره عن أمه المغتصبة. لا يريد الإعلام الرسمي أن يتعلم شيئا من أخطاء الذين سبقوه ويستمر في الكذب إيمانا منه بأن شعبه الذي أحسن تربيته طوال تلك السنوات سيبقى مؤمنا به مصدقا لما يقول وأن كل ما يراه عبر وسائل الاتصال المتاحة للجميع هو تلفيق متعمد لمحاربة النظام البريء من سفك الدماء.

مازال الإعلام الرسمي وبغباء متعمد يتلقى المكالمات المعدة سلفا، والتي تشيد بالنظام، ولا يترك صوتا واحدا يقول رأيا مغايرا ليقنعنا بأن جيش المعارضة الذي يزحف من مدينة إلى أخرى هو مجموعة عصابات إرهابية، وأن الشعب السوري لو قطعوه بالمنشار لن يتخلى عن بشار. فدعونا ننتظر.