بعد نجاح القوى والجماعات الإسلامية خصوصا «الإخوان المسلمين» و«السلفيين» في كل من مصر وتونس والمغرب وليبيا فإن التحدي الأكبر الذي سيواجههم هو كيفية تعاملهم مع قضايا الديمقراطية الاجتماعية، وبالذات الحريات العامة والشخصية التي عانوا، هم أنفسهم كتيارات سياسية، غيابها خلال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية.
نجاح الجماعات الإسلامية في الانتخابات البرلمانية في المغرب ودول الثورات العربية مثل تونس ومصر، ووصولهم إلى السلطة في ليبيا لم يكن أمرا مستغربا للمتابع الموضوعي، إذ إن الخطاب السياسي الديني بشكله العام لم يكن غائبا عن كل هذه الدول سواء في الإعلام أو في الحياة العامة رغم أمور مثل البطش والقمع والاضطهاد والكبت والعنف التي كانت تمارسها الأنظمة الساقطة ضد الجماعات السياسية الإسلامية المنظمة، وبالذات "الإخوان المسلمين".فالدول القمعية الساقطة كانت تدّعي كذباً أنها حامية للدين ومدافعة عن المسلمين، وكانت الكتب والمنشورات الدينية هي السائدة في معارض الكتب والمكتبات التجارية، وهو الأمر المختلف تماما عندما يتعلق الأمر بخطاب القوى الأخرى سواء العلمانية أو التقدمية أو الديمقراطية أو الليبرالية، فقد كان خطابها غائبا تماما في وسائل الإعلام الرسمية، وكانت الرقابة الحكومية شديدة جدا على الكتب والمنشورات غير الدينية التي تمنع في الغالب من التداول العام، ناهيك عن الملاحقات "البوليسية" وأحكام السجن الجائرة التي كان يتعرض لها أيضا دعاة الديمقراطية والتقدم.أما الآن وبعد نجاح القوى والجماعات الإسلامية خصوصا "الإخوان المسلمين" و"السلفيين" في كل من مصر وتونس والمغرب وليبيا فإن التحدي الأكبر الذي سيواجههم هو كيفية تعاملهم مع قضايا الديمقراطية الاجتماعية، وبالذات الحريات العامة والشخصية التي عانوا هم أنفسهم كتيارات سياسية غيابها خلال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية، إذ إن الديمقراطية لا تقتصر على الانتخابات العامة فقط.أما القضايا المتعلقة بالأمور الاقتصادية ومعالجة مشاكل التنمية والبطالة ورفع مستوى المعيشة، فلا أظن أن القوى والجماعات الإسلامية تحمل رؤية أو فكرا مختلفا عن الفكر الاقتصادي الرأسمالي بشكله العام؛ رغم بعض المسميات والأشكال الجديدة التي لا تمسّ الجوهر أو المضمون.وفي هذا السياق فإن ما يثير الاستغراب حقا ما جاء في البيان الصحفي للقوى والجماعات الإسلامية المحلية (حدس، الحركة السلفية، تجمع ثوابت الأمة والنائب خالد السلطان) الذي صدر بتاريخ 26 نوفمبر 2011 وبالتزامن مع الحراك الشعبي الذي جرى في الأسابيع القليلة الماضية، وشاركت فيه كل العناصر والقوى السياسية والشبابية، أنه لم يرد في هذا البيان الصحفي أي ذكر للدستور أو الديمقراطية أو الحريات العامة اللهم وصف الديمقراطية الغربية بأنها "ديمقراطية مزعومة"!!وإذا ما عرفنا أن بعض القوى السلفية لا تؤمن بنظام الحكم الديمقراطي، وكانت ترفض إلى وقت قريب المشاركة في الانتخابات العامة، بل إن بعض عناصرها لا يزال يرفضها جملة وتفصيلا، فإن الأمر الأكثر إثارة للاستغراب هو مشاركة الحركة الدستورية الإسلامية "حدس"، بالذات في هذا البيان الصحفي الذي خلا تماما من أي ذكر لكلمة الدستور أو الديمقراطية أو الحريات العامة رغم أن احترام الدستور الذي ينص على نظام الحكم الديمقراطي وحماية الحريات العامة كان من ضمن المطالب الرئيسة للحراك الشعبي العام، الذي شاركت فيه القوى والجماعات الإسلامية أيضا، وصدر البيان الصحفي بمناسبته!!
مقالات
الجماعات الإسلامية والديمقراطية الاجتماعية
05-12-2011