فلسطين دولة في اليونسكو

نشر في 02-11-2011
آخر تحديث 02-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 أ.د. غانم النجار أخيراً صدر القرار التاريخي بقبول عضوية فلسطين كاملة كدولة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، المعروفة باسم "اليونسكو".

أهمية القرار تأتي من بعده الحقوقي الإنساني وليس في شقه السياسي فحسب.

وعلى أثر ذلك أعلنت الولايات المتحدة قطعها للدعم المالي الذي تقدمه لـ"اليونسكو" استناداً، كما قيل، إلى قانون صادر من الكونغرس سنة ١٩٩٠، يلزم الحكومة الأميركية بقطع أي دعم مالي لأي هيئة تابعة للأمم المتحدة تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كدولة وتمنحها عضوية كاملة.

حصل القرار على أغلبية أصوات ١٠٧ دول، من ضمنها العديد من الدول الأوروبية كفرنسا وكذلك الصين والهند وغالبية دول أميركا اللاتينية والإفريقية والآسيوية، بينما صوت ضد القرار ١٤ دولة فقط، من ضمنها بالطبع أميركا وإسرائيل وكندا وأستراليا وألمانيا وهولندا، التي جاءت تصريحات وزير خارجيتها بعيدة عن المنطق والالتزامات الإنسانية والأخلاقية التي عادة ما تتشدق بها، كما امتنعت ٥٢ دولة عن التصويت، من ضمنها بريطانيا واليابان.

تساهم الولايات المتحدة بحوالي ٨٠ مليون دولار سنوياً في ميزانية "اليونسكو"، وهي تمثل حوالي ٢٢ في المئة من إجمالي ميزانيتها. وقد أوضحت الخارجية الأميركية أنها كانت تعتزم تسديد ٦٠ مليون دولار كجزء من التزاماتها في شهر نوفمبر الجاري، ولكنها لن تقوم بذلك الآن.

وعلى أي حال ليست هذه هي المرة الأولى التي تعاقب فيها أميركا منظمة اليونسكو، حيث توقفت عن دعمها قرابة العشرين عاماً من ١٩٨٤ حتى ٢٠٠٣ بحجة غريبة وهي عدم توافق أهداف "اليونسكو" مع منطلقات السياسة الخارجية الأميركية، إلا أنها عادت مرة أخرى لدعمها في ٢٠٠٣، وللغرابة في فترة ولاية جورج دبليو بوش الأولى. فكيف سيبرر الرئيس أوباما لنفسه إعاقته لعمل منظمة دولية طالما اعتبرها ذراعاً لسياسته الخارجية القائمة على التعددية الثقافية في العالم.

والحقيقة هي أن صفة "العضوية الكاملة" بالنسبة لفلسطين في "اليونسكو" لن تغير الكثير على أرض الواقع، حيث تشارك فلسطين كعضو مراقب منذ زمن طويل مع كل ما يعنيه ذلك من تواجد دبلوماسي وسياسي. ولكن إسرائيل تحديداً تخشى ما قد يؤديه هذا القرار الرمزي من تأثير على منظمات أخرى، حيث ستسعى فلسطين نفس المسعى لعضوية منظمات كحماية الملكية الفكرية، والصحة العالمية، والدولية للطيران المدني، والدولية للطاقة النووية، والمنظمة الدولية للتنمية الصناعية، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الذي يقبل عضوية الدول الأعضاء في "اليونسكو"، فهل ستقطع الولايات المتحدة التمويل عن كل هذه المنظمات أيضاً، وهي تعرف جيداً أن قطع التمويل سيضعف تأثيرها السياسي داخل تلك المنظمات في زمن انحسار وأزمات اقتصادية طاحنة؟ وكيف ستبرر الولايات المتحدة لنفسها تأثير قطعها للتمويل المذكور عن "اليونسكو" على مشاريع تنموية وتعليمية كبرى في العديد من البلدان الفقيرة وأولها أفغانستان؟ لاشك أن "تراكم العضويات" الدولية سيعطي زخماً للمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني بالاعتراف بهم كدولة كاملة، وسيدفعون لتقوية الزخم السياسي لطلب انضمام فلسطين كعضو دائم في الأمم المتحدة، وهو الطلب المقرر النظر فيه في ١١ نوفمبر الجاري. ومع أن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت أنها ستستخدم حق النقض الفيتو، فإن الطلب سيتم عرضه مرة أخرى في العام المقبل.

بالطبع كان بإمكان الساسة الأميركان، التعامل بمرونة أكثر، ولكنها "السوسة" التي اسمها إسرائيل وبدء موسم الانتخابات الرئاسية. ويبقى السؤال بهذا الخصوص مطروحاً بقوة، إن لم تتمكن الحكومة الأميركية من التعامل مع شخص بمرونة وليونة أبومازن، محمود عباس، الذي اختار الطريق السياسي الدبلوماسي لتحقيق مشروع الدولة الفلسطينية، فما هي مواصفات الفلسطيني الذين يريدون التعامل معه؟ وإلى متى سيظل طلب فلسطين بالعضوية مركوناً في الرف، وهو من أبسط الحقوق الجماعية للشعوب ولا حاجة لنا للتذكير بأن حبر قرار عضوية دولة جنوب السودان لم يجف بعد، وهي العضوية التي كان لأميركا فيها قصب السبق.

القرار الأميركي ليس إلا حالة خارج التاريخ ولا تستوعب المستجدات، بل إنها ومجموعة من تلك الدول التي تزعم أنها داعمة لحق الشعوب في تقرير المصير، وتبريراتها الركيكة في تأثير قرار كهذا على مسار التفاوض، تقود العالم إلى مزيد من الاحتقان والعنف وعدم الاستقرار.

back to top