سألت النائبة معصومة المبارك وزير العدل عن أسماء ودرجات القضاة الذين تم تقديم شكوى تأديب بحقهم في السنوات الثلاث الماضية، واللجان والانتدابات والمناصب التي أسندت إليهم وشغلها كل منهم، وإجراءات التحقيق ونتائجه والعقوبات المتخذة... إلخ.

Ad

حسن النية مفترض في النائبة معصومة حين وجهت مثل ذلك السؤال اللادستوري، وقد يكون لديها خبر صادق أو ربما وشاية بأن بعض القضاة والمستشارين قدمت ضدهم شكاوى تأديب، ومع ذلك تم تعيينهم في لجان أو انتدابات أو غير ذلك، وليس هذا بالغريب والشاذ في عالم المحسوبيات الكويتي، ولا يستبعد مثل تلك الأمور في كل شؤون دولة ترسم السلطة الحاكمة على جفونها حكمتنا الأثيرة: «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر» وليس هذا بيت القصيد الآن.

النائبة معصومة تقدمت بهذا السؤال، الذي يشكل اعتداء واضحاً على مبدأ الفصل بين السلطات، كما جاء في المادة الخمسين من دستور الدولة، وأيضاً يعد افتئاتاً جلياً على الفصل الخامس من الدستور المتعلق بأحكام السلطة القضائية وتأكيد استقلالها، إلا أن تجميل عبارات الدستور بعبارات مختلسة من دساتير حية نصاً وروحاً مسألة، وواقع الممارسة السياسية الكويتية مسألة أخرى، فتلك الممارسة تفرض علينا الإقرار بأن النظريات الحالمة في نصوص الدستور لها واقع بشع هو نتيجة حتمية لرفض السلطة الحاكمة إعمال مبدأ الفصل بين السلطات، سواء كان هذا الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (الحاكمة بالأمر الواقع) أو بين السلطتين السابقتين والسلطة القضائية، فالنائبة استندت في سؤالها أساساً إلى نص المادة 35 من قانون تنظيم القضاء التي خولت وزير العدل سلطة الإشراف على أعمال القضاء، ومفهوم الإشراف هنا يتعدى النطاق «الإداري أو المالي» ليمس في الصميم حرية واستقلال القضاء الكويتي، فما مناسبة هذه المادة...؟! ولماذا صمت ويصمت عنها نواب الأمة كل السنوات الماضية حتى اليوم و(ربما) حتى الغد.

قبل عامين تقريباً جرت محاولات جدية من قبل بعض رجال القضاء، حين وجدوا أنفسهم في حالات كثيرة لا تقتصر على المادة ٣٥ اللادستورية (برأيي) من قانون تنظيم القضاء بلا حول ولا قوة في قضية الاستقلال الحقيقي للقضاء، الذي يجب أن يتمثل في استقلال مالي وإداري كاملين، دون وصاية السلطة الحاكمة والواهبة، وقدم هؤلاء القضاة عدة أمثلة عن الواقع المزري لإدارة شؤون العدل في الدولة وحالة اللامبالاة التي تقابل بها من قبل السلطة الحاكمة، وأبسطها اللامبالاة للحالة المضحكة والمبكية لمباني العدالة، كأن يكون قصر العدل في العاصمة «علبة سردين» أوقات الدوام أو وضع المجمعات «الشعبية» لمحاكم الرقعي!

وأرفق هؤلاء القضاة المجتهدون رؤية تقدمية بقانون مخاصمة القضاء، مع طرحهم لنيل الاستقلال القضائي الحقيقي. مشروع مخاصمة القضاء كما نجد صورته الفذة في التشريعات المصرية يبيح مخاصمة القاضي (باختصار) في حالات الغش أو الخطأ الجسيم، ويعد بهذا دعامة قوية لحقوق الأفراد وحرياتهم، وكانت هناك تصورات مكملة تفعل نصوص التفتيش القضائي، إلا أن كل هذا ذهب أدراج الرياح أو تم تناسيه مع سبق الإصرار المتخلف، أو ربما تم طيه في أدراج اللااكتراث السياسي من قبل السلطتين التشريعية (التابعة) والتنفيذية الحاكمة (المتبوعة)، وانتهى حلم قانون استقلال القضاء بعبارة قوية وقاسية وصلت آذان أهل الشأن تقول: «ماذا يريد هؤلاء القضاة، لهم أن يطالبوا بما يشاؤون في زيادة الرواتب أو غير ذلك من مزايا مالية... أما أحلامهم (وأحلامنا قبلهم) في غير ذلك فانسوها تماماً...!!».

وانتصرت القوة السياسية على القانون في صراع أبدي ندرك نتائجه مسبقاً في دولتنا وغيرها من الدول التي هي على شاكلتنا الهزيلة من دول بقايا الاستبداد «القروسطي» أي أمم تاريخ قبل التنوير في أوروبا وقبل هوبز الإنكليزي ومونتسيكو الفرنسي، وبقينا هنا يراوح نوابنا في مكانهم مرددين عبارات مملة لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل «نفخر بقضائنا الشامخ، والعادل»! فماذا فعلتم لهذا القضاء، ألا يكفيه هذا السؤال «الفذ» لحضرة النائبة معصومة، فلنهلل لديمقراطية «العوران» القاصرة على صناديق الانتخابات، وحين تكحل تلك الصناديق بجملة «من دفع وصل»!