كثيرة هي المبادرات التي نقرأها، من حين إلى آخر في ما يتعلق بتطوير أدب الطفل، أو تطوير أساليب التعليم، وتقريب المعلومة إلى الأذهان الصغيرة، إلا أن الثابت أننا مازلنا في بداية الطريق، ذلك برغم عراقة الآداب العربية في المجمل، أو تلك الخلفية التاريخية الممتدة إلى قصص الحيوان قديما، وحكايات ألف ليلة وليلة، التي ترجمها الغرب في أواسط القرن الثامن عشر، واستفاد منها الناشئة الأوروبيون في نسختها المعدلة أكثر من القراء العرب أنفسهم.

Ad

هل يخضع أدب الطفل لتقاليد نفتقدها نحن في مطبوعاتنا العربية؟ هل ثمة فارق في القيمة الجوهرية للمعلومة المقدمة، وطريقة تلقيها؟ هل نثقل نحن مناهجنا المقدمة للطفولة في سنها المبكر من القيمة الثقافية أو الدينية، بدلا من المعلومة المنفتحة وأساليب الاستنتاج وإطلاق الخيال أمام الطفل؟ كلها أسئلة قد تتبادر إلى الذهن إذا ما طرحنا سؤال تخلفنا – وعلينا الاعتراف هنا – في ما يتعلق بالآداب المقدمة إلى الطفل، بل إننا في مكتباتنا، وإصداراتنا المتخصصة لا نفرق حتى اللحظة بين «أدب الطفل» وكتب التعليم الأخرى للأطفال، التي قد تكون مخصصة لتعليم الأعداد، أو الكتابة، أو العلوم الطبيعية الأولية، وفي هذا الصدد تشير سمر إبراهيم الكاتبة المتخصصة في هذا المجال إلى بعض الأخطاء المنهجية التي يقع فيها قراء العربية، ومن ذلك ما نراه في البرامج المخصصة للأطفال، ثمة سؤال جوهري يطرح دائما على الطفل يأتي في صيغة «ماذا تعلمتم من القصة» أو «ماذا تستفيدون منها»، وهو سؤال بحسب سمر إبراهيم يسلب الطفل حقه في إطلاق خياله، وإدراك كيفية استنباط المعلومة، مقدما الفائدة «القيمية» للفقرة المقدمة.

ومازالت الإصدارات العربية شحيحة في هذا المجال، وتراوح مكانها، وهي إصدارات في مجملها مكبلة بالقيمة الثقافية، وحشو المعلومات، بدلا من إطلاق الخيال، وإفساح المجال أمام الطفل ليصنع قصته الخاصة ويندمج معها. تساهم مناهج التعليم إلى حد كبير في صنع هذه الظاهرة، وهي مناهج قائمة على التلقين، وحشو أكبر كم من المعلومات التي ينساها الطفل، بمجرد خروجه من قاعة الصف، أو الامتحان، بل إن الطامة الكبرى تكمن في عدم وجود مكتبات خاصة للأطفال، وكل ما نجده كتب موزعة بين إصدارات الكبار أو أكوام القرطاسية التي باتت رديفة لكتب الأطفال، وهي معلومة خاطئة، وقد أشار كثير من الكتاب إلى ضرورة وجود مكتبات خاصة للطفل، ولكن لا حياة لمن تنادي.

وفي الكويت لا أسماء تُذكر في ما يتعلق بالكتابة للطفل، باستثناء الجهود التي يبذلها قلة من الكتاب ومن بينهم الكاتب اللبناني د. طارق البكري المقيم هنا، وكذلك الكاتبتان لطيفة بطي وهدى الشوا، فهذه الأسماء التي عرف عنها الاهتمام بهذا المجال، وإن اختلفت جهود كل منهم في ما يتعلق بالمادة العلمية المقدمة للطفل، وهي تظل جهودا فردية قليلة، بالنظر إلى ما يحتاجه هذا المجال من كم هائل في الإنتاج والترويج، بالقدر الذي يناسب الشريحة العمرية المستهدفة.

في إحدى دورات مهرجان طيران الإمارات للآداب قدم د. طارق البكر محاضرة مخصصة لقراءة قصص الأطفال، وبالنظر إلى الإعلان الذي كان موازيا تماما لإعلان المحاضرة ذاتها المقدمة باللغة الإنكليزية لكتاب آخرين، وجدنا أن القاعة المخصصة للأطفال باللغة الإنكليزية تضج بحضور يفوق المئات، بينما كان الحضور في قاعة د. طارق البكري لا يتجاوز ثمانية أشخاص – كنت أعدّهم- جاءوا لقراءة القصة بالعربية، بل إن نصف هؤلاء أميركيون من أصول عربية جاءوا للإقامة في دبي، لذا فهم حريصون على تعلم العربية، وكان أحد الآباء علق عن خيبة أمله حين رأى الحضور الضئيل في المحاضرة، وأما د. طارق البكري فاكتفى بالقول إن هذه هي حال الثقافة العربية.

المنظر ذاته من الحضور الضئيل في «طيران الإمارات» كان متطابقا مع المحاضرة التي قدمتها الكاتبة الكويتية هدى الشوا. وهنا يبرز سؤال جوهري يتعلق بالكتابة للطفل في مجمل أقطارنا العربية، سؤال نقف عنده مليا إذا ما أردنا تحليل أسباب عدم القراءة عند الكبار أنفسهم.