وللقذافي دروس وعبر!
السؤال الأهم هو: هل يتعظ مَن تبقى من الحكام خصوصاً العرب ممن تعيش بلادهم ربيعاً متصاعداً أو يعتبرون من تلك المشاهد المؤلمة والحافلة بكل أنواع دروس الحياة، أم تتوالى تلك المناظر من جديد؟ وإن كان الرهان على الاحتمال الثاني هو الأقرب والأرجح!
صور القذافي مقتولاً والتعامل مع جثته بأقصى درجات المذلة وسط الاحتفالات الشعبية في الشوارع والميادين العامة، فعلاً منظر يستحق الوقوف عنده والتمعن في خواطره واستلهام العبر منه، وكنت أتساءل، وأنا أشاهد تلك اللقطات الدامية للقذافي، لو أن الرجل قد مات وهو في السلطة ولم يتهدم نظامه السياسي على رأسه قبل موته، كيف كانت وسائل الإعلام تتلقى نبأ وفاته؟ وما الصور التي كانت ستتناقلها القنوات والمحطات الفضائية ومواقع الإنترنت والصحافة العربية والعالمية، وأيضاً الشعب الليبي نفسه؟وأكاد أجزم لو أن معمر القذافي قد مات في تلك الحالة لانهالت برقيات التعزية الناعية للزعيم والقائد وملك الملوك والفاتح العظيم، وأن فقده كان خسارة فادحة للأمتين العربية والإسلامية، بل لإفريقيا وأميركا الجنوبية، ولتدفقت الوفود الرسمية وفي مقدمها رؤساء الدول الشقيقة والصديقة للمشاركة في جنازة مهيبة تتقدمها عربة عسكرية، ويصطف خلفها كوكبة من النسوة بالزي العسكري، ولا تفارق التحية الطرف اليمين من جبهاتهن، وامتلأت الشوارع بالمواطنين وهم يودعون قائدهم بالورود والدموع! وفي مراسم التشييع كانت وسائل الإعلام تسطر تلك الملاحم والبطولات التي سجلها الزعيم الراحل، وما حققه من تنمية وازدهار للشعب الليبي الشقيق، أما الدول الغربية فكانت هي الأخرى تنعى القذافي بعبارات تتخللها الدبلوماسية المحترمة والمجاملات رغم الكراهية الشخصية التي تكنها بعض العواصم له!طبعاً هناك من سطر جرائم معمر القذافي ونظامه على مدى نصف قرن، وهناك من عرف حقيقة هذا الرجل، وهناك من كانت قلوبهم تقطر دماً لعقود طويلة من الزمن، وهناك من كان يفهم كيف يعيش الشعب الليبي في قمقم من الكبت والذل والهوان، وفي أدنى مستويات التخلف والحرمان، رغم الثروة العظيمة التي تتمتع بها ليبيا، ولكن الصمت العربي تحديداً والعالمي بشكل عام كان بمنزلة المظلة الحامية لهذا النظام الدكتاتوري، وكان أقصى ما يمكن أن تفعله الدبلوماسية الدولية هو التندر بلباس القذافي، وبعض سياساته المجنونة لأغراض النكتة السياسية لا أكثر.هذه المفارقة المحزنة تؤكد ما ذهبت إليه بعض نظريات علم السياسة بأن هالة المنصب وهيبة الكرسي الرئاسي و"جلاوزة" أي نظام هي التي تمنح أي شخص، ولو بمواصفات القذافي، ذلك الجبروت والاحترام والمحبة الجماهيرية، والاهتمام العالمي قسراً ورغم أنف كل المضطهدين والمحرومين، ولكن تبقى إرادة الله وسنن الحياة والقدر المحظوظ هي التي تختم حياة الطغاة، إما بدفنهم مع أسطورتهم المخزية التي تبقى سراً إلى الأبد، وإما بتعريتهم وفضحهم في أواخر حياتهم وبعد موتهم، كما حصل مع صدام حسين والآن معمر القذافي.ولكن يبقى السؤال الأهم: هل يتعظ مَن تبقى من الحكام خصوصاً العرب ممن تعيش بلادهم ربيعاً متصاعداً أو يعتبرون من تلك المشاهد المؤلمة والحافلة بكل أنواع دروس الحياة، أم تتوالى تلك المناظر من جديد؟ وإن كان الرهان على الاحتمال الثاني هو الأقرب والأرجح!