الإيداعات المليونية والبنك المركزي
الإيداعات المليونية في حسابات ثلث أعضاء المجلس والتحويلات الخارجية تعتبران من الفضائح السياسية ذات العيار الثقيل جداً، التي لو حدث شبيه لها في الدول الديمقراطية الحقيقية لاستقالت الحكومة على الفور، ولفُتِح تحقيق فوري مع الأجهزة الحكومية المختصة بالرقابة المالية كالبنك المركزي، ولقُدِّم الأعضاء المتهمون لمحاكمات علنية قد تنتهي بهم إلى السجن، كما حدث مع بعض نواب مجلس العموم البريطاني الذين اتُّهموا بالمبالغة في مصروفاتهم النثرية وتقديم فواتير مزوّرة بعضها لا تتعدى قيمته الدينار والنصف! والتي أدت فضيحتهم أيضاً إلى استقالة رئيس البرلمان البريطاني لأول مرة منذ 300 عام!لكننا في الكويت لدى حكومتنا، على ما يبدو، تعريفها الخاص والفريد لمصطلحات ومفاهيم مثل الفساد والشفافية والديمقراطية والمساءلة العامة وتضارب المصالح، بل وحتى التنمية لها تعريفها الخاص لدى حكومتنا الذي يختلف اختلافاً جوهرياً عمّا هو موجود في أدبيات التنمية المتعارف عليها دولياً.
ألم تطالب حكومتنا، قبل أيام، الأمم المتحدة بتوفير المزيد من الشفافية في أعمالها وهي، أي الحكومة، لا يوجد لديها حتى الآن قوانين لمحاربة الفساد وتوفير الشفافية بعد أن عرقلت إصدارها سنوات طويلة رغم توقيعها منذ سنوات على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد؟! لهذا فمن غير المستغرب أن تصمت الحكومة بشكل مريب ولا تتخذ قراراً حاسماً تجاه حالات الفساد الصارخة، مثل الإيداعات والتحويلات المليونية، بل إنها تكتفي بالحديث عن استشراء الفساد، وتشكو منه ليل نهار في عرقلة أعمالها، لكنها لا تتخذ ما يلزم لمكافحته والحد منه ولا تحاسب المفسدين.زد على ذلك أنها تُتهم علانية من قبل بعض أعضاء المجلس بالفساد وبرعاية المفسدين، لكنها تتهرب من مواجهة هذه الاتهامات التي ترد في صحائف الاستجوابات إما بـ"الإحالات" وإما بالتأجيل طويل المدى، وإما بالجلسات السرية.والآن حتى لا تضيع قضية الرشوة المليونية للنواب سواء عبر الإيداعات أو التحويلات الخارجية في دهاليز "التكتيكات" الحكومية المسنودة من نواب الموالاة المحال أغلبهم إلى النيابة العامة، فإن الحل الأفضل، بالإضافة إلى تحريك المساءلتين السياسية والجنائية، هو انتداب عضو أو عدد من الأعضاء للبنك المركزي للتحقيق في الإجراءات التي اتخذها البنك حيال الإيداعات والتحويلات المليونية، وتقديم تقرير مفصل للمجلس خلال فترة وجيزة جداً، إذ إنه من غير المعقول إطلاقاً ألا يكون البنك المركزي كجهة رقابية على دراية بطبيعة هذه الإيداعات المليونية والتحويلات الخارجية وجميع من هم متورطون فيها.ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد سبق لمجلس الأمة عام 1986 أن قرر انتداب العضو الفاضل حمد الجوعان، شفاه الله وعافاه، إلى البنك المركزي للتحقيق في الاتهامات التي وجهت إلى البنك بتورطه في أزمة "سوق المناخ" غير أن هذه المهمة لم تُنجَز لأن المجلس "حُل" في العام ذاته بشكل مخالف للدستور... فهل ينجح طلب انتداب عضو أو أكثر للتحقيق في تورط البنك المركزي في الإيداعات والتحويلات المليونية لو قدم هذه المرة، أم أن للشفافية، كما ذكرنا أعلاه، معنى مختلفاً لدى الحكومة ومن يؤيدها من النواب الذين تحوم حول أغلبهم شبهات الفساد يترتب عليه إخفاء المعلومات وهروبها من كشف الحقائق للرأي العام ما قد يؤدي إلى حل المجلس، حسب الدستور هذه المرة نظراً لاختلاف الظروف الموضوعية عما كانت عليه عام 1986، وذلك من أجل "طمطمة" فضيحتي الإيداعات والتحويلات المليونية؟!