المشهد السوري... النزيف والانسداد
يستمر المشهد السوري نازفاً ومفتوحاً على كل الاتجاهات، ومنها الخيارات الأكثر سوءاً نتيجة الانسداد الحاصل في المخارج والحلول، وأيضاً في المبادرات التي توقفت عند الجامعة العربية غير المؤهلة أصلاً للتعامل مع هكذا أزمات. وانعكس ذلك سلباً على الحراك السوري، وعلى تدخل الجامعة الرقابي لعدم مهنيتها، مما أعطى رخصة للنظام السوري في الغلو والتغول أكثر في الدم، وفي حضور المراقبين العرب وأمام أعين المجتمع الدولي غير الراغب في التدخل أو الضغط الجدي لفرض حلول، نتيجة حسابات الربح والخسارة وتعقيدات الوضع السوري إقليمياً ودولياً. المعضلة السورية ليست فقط في الاستبداد العالي الجودة، ولا في تلك الشعارات التي يتلطأ خلفها النظام "كالمقاومة والممانعة" والتي استمد منها الاستباحة، وشبك الخيوط وتركيب التحالفات التي تؤمِّن له دورا يصعب تجاوزه في أي معادلة تستهدف التغيير وحتى التقليم، ولا في حجم الفساد المنتشر في البلاد بمقاييس تجاوزات الأرقام... إنما تتمثل بتلك النزعة العدوانية والشهية السادية اللتين لا ترتويان من رؤية الدم وجريانه، واللتين بدأتا منذ الثمانينيات واشتدت حدتهما في الحراك الثوري الآن. والتساؤلات المطروحة: هل هذه السادية إيديولوجية المنشأ أم طائفية الطابع أم أنه جنون السلطة؟! وهل يعقل لمن يريد الاحتفاظ بالسلطة ويدّعي شرف "المقاومة والممانعة" أن يسفك كل هذه الدماء، وأن يقاطع ذاته الإنسانية، بل لا يكترث لخروجه الكلي من المنظومة الأخلاقية، ولا من كل ما يمت للإنسانية بصلة؟! وهل النفس "المقاومة الممانعة" شريرة إلى هذا الحد وتحتاج إلى كل هذه الآثام لتكسب الشرعية وتعلي من شأنها وتنال الرضا؟! وأكاد أجزم لو أن للمقاومة لساناً لأعلنت صراحة تحولها إلى ضفة التخاذل والاستسلام وتبرأت من كل دعاة المقاومة على أن تسفك نقطة دم بريئة باسمها مع غير العدو الغاصب. الانسداد بدا واضحاً وجلياً في المشهد السوري، خصوصاً بعد الأداء الخجول للجامعة العربية، وبعد الخطاب الأخير للرئيس الأسد الذي جاء كإطلالة وحمل الإطالة، والتطاول والاغتراب وتأكيد الانسداد رغم الصورة الوردية التي رسمها لسورية المتجددة، لكن هل يعقل لمن ضاق صدره بـ"شخابيط الأطفال" على الجدران وبحنجرة القاشوش أن يقبل الآخر ولو كان بديلاً للسلطة؟! إن كانت الأولى عولجت بكل هذه الدماء فالثانية حتما ستحتاج إلى أسلحة الدمار الشامل. الديمقراطية والتجدد فكر وثقافة وحالة إبداعية لا مراسيم وإجراءات، وقبول التغيير والاعتراف بالآخر يحتاجان إلى ثقافة جديدة غير متوافرة في جيل البعث الحاكم عموماً، وما على النظام إلا تلبية النداء الوطني وإعطاء الأجيال الثائرة التي تجاوزت بوعيها السلطة والمعارضة معاً فرصة بناء ما هدمته ثقافة الأمس، وربما نرى أحد أجيال البعث مستقبلاً وقد استلهم قيم الحرية والعصرنة وقد أفرزه الصندوق الانتخابي الحر ليقود البلاد بشرعية لم يحصل عليها البعث طيلة حكمه. الخروج له ثمن والعودة لها أثمان، والسوريون رغم الانسداد وتخلي أهل الأرض عنهم أدركوا تكلفة الحرية وهم يدفعونها يومياً، وعلى المجتمع الدولي أن يحزم أمره وينتصر للحرية وحقوق الإنسان بدون لغة الأرقام، وبطريقة تحقن الدماء وتحفظ البلاد، لئلا يختلط المشهد وتشتعل المنطقة وتحترق المصالح، وعندها لا ينفع اعتذار ولا ندم.