لا أظن أن آمال "البدون" بحل قضيتهم كانت قد وصلت إلى سقف أعلى من ذاك الذي وصلته مع سيطرة كتلة النواب "الإصلاحيين" على أغلب مقاعد البرلمان، وتشكيلهم لما بات يسمى اليوم كتلة الأغلبية، فهؤلاء النواب كانوا دوماً هم الأقرب إلى هذه الفئة- على الأقل في الظاهر- وكانوا دوماً هم الأكثر عزفاً على أوتار قضيتهم الحزينة في الندوات والمحافل المختلفة، وكانوا هم الأكثر إطلاقا للتصريحات والوعود بحلها ومعالجتها، ولهذا فمن الطبيعي أن سيطرتهم على مقاليد الأمور في البرلمان رفعت الآمال عالياً جداً. ولكنني أعتقد، والاعتقاد هو الجزم كما يقولون، بأن "البدون" قد لحقهم شيئا كبيراً من خيبة الأمل بعدما أعلنت كتلة الأغلبية عن قائمة أولوياتها للمرحلة القادمة، ولم تكن قضيتهم من ضمنها.
قد يقول قائل ان كتلة الأغلبية، وإن لم تضع القضية على قائمة الأولويات، فإنها قامت بتشكيل لجنة برلمانية حصرية لدراسة أوضاع "البدون"، والرد هنا بأن الأمر ليس بجديد، فقد سبق للبرلمانات السابقة أن قامت بتشكيل مثل هذه اللجنة المؤقتة لأكثر من مرة، بل سبق أن ثار جدل واسع حول دورها في ظل وجود لجنة الداخلية والتي هي لجنة غير مؤقتة فقيل انها ستركز نشاطها على قضية "البدون" فقط كي تحلها بأسرع وقت ممكن، ومع ذلك لم يحصل شيء من هذا، وسبق أن ألغيت اللجنة من بعد ذلك أيضاً. ولهذا فالأمر ليس بجديد أبداً، وقد كنت شخصياً، في فترة من عمر تلك اللجنة المؤقتة، عضواً في الفريق الاستشاري الذي عمل معها، فتسنى لي أن أحضر جانباً من اجتماعاتها، في ذات الفترة التي كان فيها رئيس الوزراء الحالي، الشيخ جابر المبارك، وزيراً للداخلية فشارك معنا في جانب من أعمالها، وتعرفت عن كثب على الطريقة التي يدار بها العمل في مثل هذه اللجان البرلمانية.لست هنا أحاول أن أكون متشائماً، أو أن أضع العصا في عجلة جهود الحل، بل على العكس من ذلك تماماً، فأنا من أكثر من يتمنون علاج القضية بأسرع وقت ممكن، وبأي طريقة ممكنة لإدراكي لكل أبعادها، لكن خشيتي أن يتكرر ما كان يحصل في هذه اللجنة المؤقتة عندما عاصرتها في ذلك الوقت، حيث كانت القضية وكأنها تدور في حلقة مظلمة مفرغة. كان كل اجتماع جديد للجنة وكأنه الاجتماع الأول، وكان حضور الاجتماع، وخصوصاً من الجانب الحكومي، وكأنهم يمسكون بالملف للمرة الأولى، وهو أمر كنت أعلم يقينا بأنه يراد منه في الغالب إطالة أمد القضية وخنقها. كانت الاجتماعات مشبعة بالحديث الإنشائي الخالي من كل قيمة عملية على أرض الواقع، مما كان يضيع الساعات الطوال دون الوصول إلى أي قرارات أو خطوات حقيقية لحل الملف، ناهيك عن أن أهداف اللجنة، وهو ما أخشى أن يكون ذاته ما سيحصل اليوم، غير واضحة ولا محددة ولا مؤطرة بجدول زمني كي يمكن قياسها ومتابعتها. كان، وبكل بساطة، نشاطاً أقرب إلى العبثية، مع كامل الاحترام لشخوص من كانوا يعملون في اللجنة في ذلك الوقت، ومع كامل التقدير لصدق نوايا، لن أقول كلهم، ولكن بعضهم على الأقل.خلاصة القول؛ كي تنجح لجنة "البدون" اليوم، لابد أن تكون واضحة من البداية قائمة أهدافها، وهل ستشمل فتح ملف التجنيس أم ستكتفي بالوقوف عند حدود تداول ملف الحقوق الإنسانية؟ ويجب أن يكون محدداً جداً ما ستقوم به خلال جدول زمني معلوم، وإلا فإن اجتماعاتها سيتم اختطافها على يد الحديث الإنشائي الفارغ. وأقولها بكل مباشرة، إما هذا، وإلا فإن هذه اللجنة برمتها ليست سوى مضيعة للوقت والجهد، وسيكون مصيرها أن تنتهي إلى ما انتهت إليه كل الجهود المشابهة السابقة، بلا قيمة ولا طائل.
مقالات
هل تمخض الجبل فولد لجنة مؤقتة؟
04-03-2012