إن دروس الشعوب غالية الدماء ثمينة الأرواح باهظة التكاليف، ليست بالأمر الهين ولا اليسير، وها هما الشعبان المصري والتونسي يدفعان الكثير من استقرارهما وأمنهما واقتصادهما نتيجة ثورتهما وتخلصهما من نظاميهما الطاغيين المستبدين، فلا تدفعوا الشعوب الأخرى إلى المزيد من الدروس والتضحيات، فالربيع قادم لا محالة، ولن تستطيعوا إيقافه.

Ad

التباين الكبير للموقف العربي الرسمي من ثورتي الشعب في ليبيا وسورية يؤكد بلا شك أن الأنظمة العربية ما زالت رهينة وتابعة للسياسة الغربية، وتحديدا للموقف الأميركي، فحيثما يشير البيت الأبيض تجري الأنظمة وتلهث وراءه يمينا بيمين ويسارا بيسار، كما يؤكد– التباين الكبير- أن تلك الأنظمة الخريفية لم تفهم بعد، ولم تستوعب دروس الربيع العربي، وأن الضامن الوحيد للحاكم هو شعبه وليس البيت الأبيض أو القصر الأحمر، وأن بقاء النظام مرهون فقط بإرادة مواطنيه وليس بقرار أميركي أو اتفاق غربي.

عندما بدأت ثورة الشعب في ليبيا بعد ثورتي تونس ومصر سارعت أوروبا وأميركا إلى عقد الاجتماعات واتخاذ القرارات واحدا تلو الآخر من أجل مساندة الثوار، وقام "الناتو" بشن الغارات الجوية على كتائب القذافي، وفي ذات الوقت سارعت الأنظمة العربية إلى الاعتراف بالمجلس الانتقالي وتقديم الدعم المادي والمعنوي له، كل ذلك في خطين متوازيين؛ إذا تسارع أحدهما تبعه الآخر، وإن تباطأ الأول تمهل الثاني.

وعلى الجانب الآخر، فعندما قام الشعبان السوري واليمني بانتفاضتيهما، ورغم المذابح والاعتقالات والجرائم، فإن الموقف الأميركي والغربي يتقدم خطوة ويتراجع خطوتين... يسرع ساعة ويتمهل أياما، وبالمثل موقف الأنظمة العربية يكتفي بالنصح مرة والصمت مرات؛ بالتعجب والدهشة يوما والسكوت والمشاهدة أياما فلماذا؟ لماذا تتخذ الأنظمة العربية هذا الموقف التابع والمرهون بالسياسة الأميركية؟

إذا كانت السياسة الأميركية تتحرك فقط تبعا لمصالحها فلماذا لا تتحرك الأنظمة العربية– تقليدا للسياسة الأميركية- وفقا لمصالحها؟ ولو اتفقنا على حركة الأنظمة تبعا لمصلحتها يكون السؤال: هل مصلحة الأنظمة مع تأييد ثورة الشعوب أم السير خلف البيت الأبيض؟ ما نراه يؤكد أن الأنظمة العربية الخريفية تسير– دون وعي– خلف البيت الأبيض، وأنها لم تفهم بعد درس الربيع.

فيا سادة، ويا حكام، ويا حكوماتنا العربية في كل مكان: قلناها مرارا وتكرارا إن الشعب هو صاحب الحق الوحيد في بلاده... الشعب هو صاحب الفضل... الشعب هو السند الحقيقي للحاكم... أي برهان تريدون وعن أي إثبات تبحثون أكثر مما حدث في مصر وتونس؟

إن دروس الشعوب غالية الدماء ثمينة الأرواح باهظة التكاليف، ليست بالأمر الهين ولا اليسير، وها هما الشعبان المصري والتونسي يدفعان الكثير– بحب وسعادة– من استقرارهما وأمنهما واقتصادهما نتيجة ثورتهما وتخلصهما من نظاميهما الطاغيين المستبدين، فلا تدفعوا الشعوب الأخرى إلى المزيد من الدروس والتضحيات، فالربيع قادم لا محالة، ولن تستطيعوا إيقافه، فالزمن لا يقاوم، فاستعدوا له واستمعوا لصوت الشعب وضميركم الحي، ولا تنصتوا لهمس البيت الأبيض، تسلم بكم ولكم دولكم وتتفتح أزهار الربيع، ويفوح عبيرها في كل أرجاء الوطن العربي.

***

لقب الرئيس "المخلوع" ليس إهانة ولا شماتة ولا تشفياً لكنه حق أصيل لشباب الثورة وشعب مصر، الذي أصر على "خلعه"، فمبارك لم يتنازل طواعية أو يرحل باختياره، ولكنه أرغم على ذلك، لذلك فكل ما يقال عن تعليمات رسمية أو شفوية بشأن الامتناع عن ذكر لقب "المخلوع" غير حقيقي وكاذب، كما أنه انتقاص من قيمة المجلس العسكري ومكانته، وقبل كل شيء إهدار لا يقبله أحد لحق الثورة ودماء الشهداء.