يعارض كبار أصحاب رؤوس الأموال في الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً بشدة اتخاذ سياسات عامة تقلل من احتكارهم للثروة، وتحمّلهم تبعات أعمالهم الطائشة، ويحاولون- بدلا من ذلك- تحميل الفئات الشعبية والطبقة الوسطى تبعات الأزمة الاقتصادية الرأسمالية تحت شعار «التقشف الاقتصادي وتخفيض الموازنة العامة».
وهو الأمر الذي أدى إلى معارضة شعبية عارمة في أكثر من ثمانين دولة في العالم ضد الجشع الرأسمالي، وسوء الإدارة، وعدم العدالة الاجتماعية، اتخذت أشكالا مختلفة سواء على شكل مظاهرات، أو تعطيل حركة السير، أو أعمال الشغب واحتلال مباني البنوك وشركات الاستثمار الكبرى مثل «احتلال وول ستريت»، أو بعض الشوارع في مدن أميركية أخرى، أو احتلال «بورصة لندن»، أو ما يجري من احتجاجات ومظاهرات حاليا في اليونان وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وغيرها من الدول الرأسمالية.ماذا عن وضعنا المحلي؟من دون أدنى شك إن وضعنا الاقتصادي والمالي قد تأثر، ومن المرجح أن يتأثر أكثر بالأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة التي لا يعرف أحد حتى الآن، وعلى وجه الدقة، متى ستنتهي أو ما حجم أو نوع التداعيات السلبية التي ستترتب عليها، لكن السؤال الذي سبق أن طرحناه في هذه الزاوية، ولايزال قائما، هو: كيف ستتصرف الحكومة للتخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي لن تستثني أي دولة من دول العالم؟ بعبارة أخرى من سيحمّل «الفاتورة»؟ هل سيدفع الثمن من كان له دور مباشر في تسريع تأثر وضعنا المالي بهذه الأزمة الرأسمالية البنيوية بعد أن جنى الأرباح الضخمة خلال العقود الماضية؟ أم سيدفعه الضحايا وهم الفئات الفقيرة والطبقة المتوسطة؟إن أسهل الحلول التي يتكرر طرحها نظريا بطرق وأساليب مختلفة ومتعددة، رغم أن نتائجها «كارثية» من الناحيتين السياسية والاجتماعية، كما أثبتت تجارب كثيرة من دول العالم بما فيها الدول الرأسمالية الصناعية، هو تنفيذ «الروشتة العتيقة» لصندوق النقد والبنك الدوليين الداعية إلى الخصخصة الشاملة، وتقليص أو رفع الدعم الحكومي، وفرض ضرائب إما على الدخل وإما على السلع أو على الاثنين معا، وفرض الرسوم أو زيادتها على الخدمات العامة كالتعليم والصحة والكهرباء والماء وغيرها، ما يعني تحميل تبعات الأزمة الاقتصادية للطبقتين الفقيرة والمتوسطة.ما الحل إذن؟لا يمكن لأي منصف الادعاء بأن الحل سيكون سهلا على المدى القصير، لكن من المؤكد أنه غير مستحيل، خصوصا أن اقتصادنا لايزال قويا على الرغم من اشتداد الأزمة العالمية، وهو الأمر الذي يتطلب الإسراع بإعداد سياسات اقتصادية متوازنة وتنفيذها لتحقيق توزيع عادل للثروة، وتنوع وتوسّع القاعدة الإنتاجية لاقتصادنا الوطني لمعالجة الاختلالات الهيكلية التي يعانيها وتحافظ، في الوقت ذاته، على مستوى معيشة كريم لأصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة، ولا تحمّلهم تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، وجشع رأس المال أو أخطاء السياسات الحكومية من خلال تنفيذ «روشتة الخصخصة والرسوم» تحت دعاوى تعديل اختلالات الموازنة العامة التي تسببت فيها السياسات الخاطئة للحكومة، والتي ستؤدي حتما إلى تبعات سياسية واجتماعية سلبية جدا على استقرار المجتمع وتطوره. ***نافذة: الأغلبية البرلمانية مطالبة بإلزام الحكومة بتحويل شعارات الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد و»الوحدة الوطنية» لسياسات عامة واقعية لها إطار زمني محدد وقابلة للقياس والتقييم.
مقالات
الأزمة الاقتصادية و الروشتة العتيقة !
29-02-2012