بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل شيخ الصحافيين الكويتيين محمد مساعد الصالح، أقيمت أمسية تأبينية أمس الاول، قدم ماضي الخميس في مفتتحها بضع كلمات، تؤكد أن الراحل وعلى الرغم من مضي عام على وفاته لا يزال موجوداً بين محبيه، فهو بحسب ماضي الخميس "الغائب الحاضر" الذي امتدت كلماته عبر سنوات طويلة، فهو لم يغب عن الذاكرة وكذلك هي أفكاره.

Ad

استعرض بعدها أنور الياسين مؤلف كتاب "محمد مساعد الصالح شهادات وسيرة حياة" طبيعة الكتاب الذي أصدره عن الراحل، وهو من تأليفه ويضم بدوره ما كتب عن مساعد الصالح بعد رحيله كما يحوي مجموعة من الصور التاريخية لشيخ الكتاب وأحد أعمدة الصحافة الكويتية.

وينقسم الكتاب إلى أقسام رئيسة هي: الوداع الأخير، وليلة محمد مساعد الصالح، ومقالات وآراء في وداع الراحل، وحوارات ومقابلات أجريت معه أثناء حياته، و"محمد مساعد الصالح.. وجه واحد وأعمار مختلفة"، و"محمد مساعد الصالح .. صور عائلية"، و"محمد مساعد الصالح.. إصدارات الله بالخير"، إضافة إلى قسمين يتناولان "إصدارات الله بالخير"، و"لقاءات ونشاطات" مصحوبة أيضا بالصور.

شيخ الكتاب

وقال الياسين واصفا شيخ الكتاب بأنه جمع بين صفات الكاتب الساخر والمعارض البناء والمصلح المحب للكويت، وصوته الهادئ يعكس أفكاره اللاذعة، مؤكداً بأنه كل شخص يجد شيئاً يخصه في "الله بالخير" فالمواطن حاضر في كل كلمة من كلمات مقاله، إذ يجد الليبرالي له مكاناً، والإسلامي حاضر كذلك في دون اي لبس، كما لا يغيب القومي إلا في زحمة القضايا المحلية، فالراحل كما أكد الياسين كان حريصاً في غمرة انشغال المواطن بمصائب المسؤولين وعبث بعض الوزراء، على شد انتباهه إلى ما يحيط بنا في الخليج وفي الوطن العربي، مبيناً أن هناك ما يستحق الاهتمام، وأن هناك أولويات في الخارج لا تقل اهمية عن أولويات الداخل، بالنسبة إلى حاضرنا.

وفي كلمة ملهمة للإعلامي يوسف محمد الجاسم الذي أكد خلالها الدور الريادي للراحل محمد مساعد الصالح، الذي أشار من خلالها إلى البصمة الإعلامية المهمة للصالح واصفاً إياه بالعلامة البارزة في مسيرة الصحافة الكويتية، وركن من أركانها، ورائد من رواد "القضاء الواقف" وعلم من أعلامه، مستطرداً حديثه قائلاً "هو لاشك سياسي وصاحب رأي وفكر، ونهج لم يحد عنه حتى آخر لحظة من حياته".

وقال انه الكاتب الذي جعل القارئ يبدأ الصحيفة من صفحتها الأخيرة ليقرأ ما كتب ويكتب كل يوم في "الله بالخير" وغيره من الأعمدة الصحفية. انه بحسب تعبيره "كتيبة من الرجال في رجل واحد، وفيه تجمعت كتلة من المواهب، المحامي اللامع، والكاتب الفحل، والناشط السياسي الذي لم تهزه الرياح في سعيه نحو تدعيم الحريات والمبادئ الديمقراطية والإنسانية، وذلك دأب الشخوص النماذج الذين يموتون ولكنهم لا يغيبون، أمثال د. أحمد الربعي، ود. أحمد البغدادي، والأستاذ أحمد السقاف، د. خلدون النقيب وأمثالهم من المبدعين".

«مازال يعيش بيننا»

واشار الجاسم إلى انه ما زال يعيش بيننا "فكم واحد منا لم يصدق ولن يصدق أنه رحل؟ لولا الإيمان بالله وقضائه وقدره". فمازال شريط أفكاره وتعليقاته وتحليلاته تطوف حول قرائه ومحبيه، فقد اعتاد بحسب ما جاء به الجاسم على التواصل معه لمناقشة فكرة وكان صدره دائماً ما يتسع لسماع كل الأفكار والآراء والاتجاهات دون ضيق أو مصادرة أو قسر أو استهانة.

ووصف الجاسم مساعد الصالح بأنه صنف من الرجال يشكل في الحياة نادي المتميزين، الذي لا تنتهي عضوية منتسبيه بانتهاء حياتهم. وتابع وصفه للراحل: "كان كريم الطبع ثابتا على مبدأه،  صبورا وجلودا أمام مرضه وسقمه الطويل، متواضعا برفعة ورفيعا بتواضع، لا ينم هدوءه عن أفكاره المتفجرة وانتقاداته اللاذعة والمهذبة في آن معا، فقد كان قطبا من أقطاب مدرسة الأخلاق الحميدة في الكتابة، ونزه نفسه عن اللفظ الجارح وترفع عن ساحات التجريح والتشهير والاستباحة التي تجتاح الصحافة اليوم.

وتوجه الجاسم بالشكر إلى الجهد الذي بذله أنور الياسين في إصدار كتابه الذي ضرب بعلاقته الأخوية والإنسانية مع الأستاذ الراحل محمد مساعد الصالح أروع أمثلة الوفاء الذي يمتد بين الأصدقاء حتى وإن رحلوا واصفاً الياسين بأنه معدن من المعادن النادرة، في زمن توارى فيه نجم الخل الوفي وطغت الشحناء على المراحم وأصبح فيه البعد والقرب بين الأصدقاء مرهون بمقدار المصلحة، مشدداً على ان الراحل قد اختار الياسين صديقاً له حتى آخر رمق له في الحياة "مع سبق الإصرار والترصد" لأنه من ذلك الصنف من الأوفياء.

نصب تذكاري

وقال ان الياسين بإصداره كتاب "محمد مساعد الصالح شهادات وسيرة حياة " قد اعد نصباً تذكارياً لعملاق رحل عنا، ولكنه لا يزال باقياً بيننا، معزياً في نهاية كلمته زوجة الراحل "أم طلال" وأبناءها ومحبي وأصدقاء الراحل الكبير أبو طلال.

من جهته، أكد الكاتب خليل حيدر في كلمته شخصية مساعد الصالح في اعتباره شخصية استثنائية تمثل مرحلة من مراحل الصحافة الكويتية. وركز حيدر على الدروس المستفادة من حياة الراحل وخبرته الصحفية والسياسية باعتباره شاهداً على مراحل من التغيير. من هذه الدروس حرية الفكر وتقديس الراحل لها وايمانه بأن التعددية ليست دليل ضعف وتخبط، بل تولد من خلالها أعظم الأفكار، كما توجد بدائل دائمة لقضايا الحياة.

وسلطت الإعلامية فاطمة حسين الضوء على الجانب الجميل من مقالات الراحل الهزلية والساخرة لأفكار وآراء شيخ الصحافيين الكويتيين محمد مساعد الصالح ، مشيدة بالحدث كونه يسنح لمحبيه من  طلب المزيد من الرحمة والغفران لفقيد شارع الصحافة بل وفقيد الوطن نظرا لتميزه في حله وترحاله"، مضيفة: "لا أظن أن بيننا من يشك بأنه كان علامة فارقة في تاريخ الصحافة المحلية وربما العربية باللهجة المحلية".

نبض الحس الصحافي

واستعرضت حسين نبض الحس الصحافي والفكر الذي انتهجه الراحل خلال مسيرته الصحافية، كما  حرصت على قراءة بعض من الحوارات المميزة التي أجريت مع الراحل عبر مجموعة من الصحف اليومية والبرامج الحوارية المحلية، ومع الراحل التي بدورها جاءت بردود عفوية وهزلية، مؤكدةً ان الراحل دائماً ما كان يفخر بأنه لم يحصل على ميدالية أو درع ولم يتم تكريمه، لكنه حصل على جائزة أفضل عامود صحفي من دبي الذي اعتبره الفوز الوحيد لكنه الأهم.

وأضافت "كان أبو طلال يرى أنه كلما كان المقال عنيفا ومتشنجا ومتطرفا تتسع قاعدة القراء، وذلك كان رده عندما سئل ماذا يريد القارئ من المقال"، مؤكدةً أن الإنسان قليلا ما يصدق في تقييم نفسه لكن يكاد يكون أبو طلال هو الوحيد والأوحد في ذلك عندما قال "أنا أكثر إصلاحا من الحكومة فالحكومة الإصلاحية لم تصلح شيئا، وأنا لا أخاف في الحق لومة لائم".

وأكدت في نهاية حديثها أن أهم الكتّاب وأكثرهم ثباتا لدى أبي طلال كان د. أحمد الربعي، الذي قال عنه "إنه ليس مجرد كاتب بل هو ظاهرة".

استعراض لبعض أقوال الراحل

• عن تقييمه لنفسه: "تقييمي لنفسي انني لا أخطط لكن الصدف كان لها دور، وأصدقائي يسمونني سلفي قومي لانهم يعتقدون بأن القومية انتهت لكن أنا متمسك بها"، وعن الانفصال بين سورية ومصر قال "الانفصال أثر بي كثيرا وكثير من الناس بكى وأنا واحد منهم".

• حول ما إذا كان تعريف الصحافة بالسلطة الرابعة هو أمر مبالغ فيه، قال "في الدول العربية مبالغ فيه، فهي تابعة للسلطة الأولى"، منوها إلى "أنه كان يرى بأن عيب الصحافة الكويتية في تركيزها على القضايا المحلية الصغيرة، وبأن قانون الصحافة جيد لولا العقوبات، وكان ينتقد كثرة الكتاب في الصحافة المحلية واعتبره دليلا على انعدام الجودة".

• "قال له صاحب السمو عندما كان وزيرا للخارجية "أنت مثل الدجاجه تموت وعينها بالسبوس"، ويقول عن نفسه رحمه الله "كانت الكتابة عندي إدمانا وأصبحت اليوم أداة للتسلية أو بالأحرى هي الرئة التي أتنفس بها)، وعن ما أعطته الصحافة له، قال: "أعطتني السمعة والمعرفة والعلاقات وقراءة الكتب والمجلات".