لا يوجد إنسان يعمل عملا تافها بقصد ارتكاب عمل تافه. ولا يمتلك مرتكب العمل التافه الوعي الكامل لإتقان عمل مغاير ومناقض للعمل الجاد. لا أحد بالتأكيد يرغب في تصنيفه ضمن الكتّاب التافهين أو على الأقل ضمن من هم أقل قيمة أدبية. الكاتب الذي يرغب باستمالة الجمهور إليه محققا لهم ما يرغبون به يفتقد الى الوعي بطبيعة عمل الكاتب. يحق للجماهير أن تطالب بما تريد ولكن لا يحق لنا أن نحقق التافه من طلبات الجماهير وانما الدور الأكبر الملقى على كاهل الكاتب هو الرقي بالجمهور على الأقل الى منطقة وسطى بين ما يريده هو وما يرغب به الجمهور.
هذه المقدمة سببها ردة الفعل التى صاحبت نجاح دور النشر التى تقدم الأعمال السطحية والعناوين المثيرة معتمدة على مجاميع من المراهقين وأنصاف المتعلمين وخصوصا الفتيات وهن السواد الأعظم من مرتادي معرض الكتاب العربي الفائت. وقد عمدت إحدى دور النشر على أن يقوم على عرض هذه الكتب وبيعها شباب لا يخلون من الوسامة وهي دلالة ترويجية واضحة خارج إطار نشر الكتاب أو الوعي به. وربما غيرة دور الكتاب الجادين ودور النشر الجادة من الانتشار الواسع لهذه الكتب الصغيرة المطبوعة على عجل بأغلفة تذكرنا بأغلفة الروايات المصرية القديمة هي التى اثارت موضوع الاحتقان.لا أريد أن أغضب أحدا ولكنني أقف مناصرا ومؤيدا لدور النشر التي تقدم المستوى البسيط والسطحي من الكتب. وأقف أيضا مع الوسيلة التي تتبعها الدار في نشر أعمالها سواء اعتمدت على علاقاتها الخاصة والواسعة بين أوساط الشباب أو اعتمدت أسلوب الوسامة في الترويج. وأسباب مناصرتي لهذه الدور ليست من باب رغبتي في انتشار الأعمال السطحية أو تشجيعي لها كبديل للأعمال الجادة بل على النقيض تماما هى الاستفادة من هذا الانتشار لصالح الكاتبة الجادة والقراءة كفعل ابداعي. كيف؟أولا ليس المطلوب من جميع شرائح المجتمع وفئاته أن تقرأ أعمالا فلسفية وابداعات عالمية يصعب حتى على بعض النخب الأدبية الإلمام بها أو القدرة على تحليلها. ومن حق العامة أن تقرأ ما تفهم ويحقق لها المتعة المرجوة من هذه القراءة. وما تحققه هذه القراءة هو الانتقال التدريجي من مستوى أقل الى أعلى. فتطور الفعل القرائي هو تطور طبيعي واكتشاف الوعي بما نقرأ يتولد عنه الارتقاء بالفعل القرائي. لا يمكن أن نطلب من الجميع أن يقرأ فولكنر أو جويس في بدايات قراءاتهم وربما لا نطالبهم بأكثر من القراءة والانهمام بها كفعل ثقافي له نتائجه الايجابية ان لم يكن في الجيل الحالي ففي الجيل القادم. ما يقرأونه اليوم لن يكون هو ذاته ما سيقرأونه غدا ولكن بالتأكيد أفضل منه.السبب الأهم الذي يجعلني أكثر تأييدا لهذا الفعل القرائي هو الكاتب نفسه. فالكاتب في العمل الأول لا يدرك انخفاض مستواه وهو يعيش فرحة الانتشار وزهو النجاح ولكنه لا يستطيع الاستمرار في الكتابة دون فعل قرائي مواز ولن يكون هو ذات الكاتب في العمل الثاني أو الرابع وتطوره الطبيعي هو تطور لقارئه بنفس الدرجة.القراءة بحد ذاتها مكسب كبير بغض النظر عن مستوى الكتاب المقروء أو المجال الذي نقرأ فيه. فالثقافة عمل تراكمى من القراءة المعرفية يقوم بها أشخاص ذوو مشارب مختلفة وعلوم متنوعة ويشكلون بمجملهم مجتمعا مثقفا وهو ما نسعى اليه. يشجعنا الاقبال الجميل على الكتب في المعرض الماضي مقارنة بمعارض سابقة.أعرف حجم التشاؤم لديكم ولكننى أرى نورا من بعيد.
توابل
تأييداً للتافه
06-11-2011