عبدالحكيم... جابت ولد!
في منظر مؤلم شبه يومي يقف ذو الأربعة أعوام أمام الباب بانتظار المجهول، بينما تختلس شقيقته الكبرى ذات السبعة أعوام النظر من الشباك على أمل خبر أو معلومة تبعث فيهما الحياة من جديد، في حين تجلس الأم تكفكف دموعها بخجل، وقد استنفدت كل الحجج والأعذار عن سبب غياب والدهما الذي قارب الشهرين! ما سبق، لم يكن مشهداً لعمل تلفزيوني سيعرض في رمضان القادم، بل هو تجسيد حي وواقعي للحالة التي يعيشها عدد من أسر المعتقلين أو المحتجزين "البدون" الذين شاركوا في المظاهرات الأخيرة التي نظمها أبناء هذه الفئة للمطالبة بحقوقها، إذ لاتزال هذه العائلات تعيش حالة مأساوية لاستمرار حجز أبنائهم طيلة هذه المدة، فعملية تجديد حبسهم أسبوعاً تلو الآخر كان لها أثر بالغ في مضاعفة الألم وتزايد الأنين. لكن لأن القضية إنسانية، والمعاناة جماعية، كان لا بد من موقف يعيد الأمل بأن الإنسانية هي التي ستطغى وتنتصر أخيراً، فها هو عبدالحكيم الفضلي أحد المحتجزين منذ بداية الأحداث الأخيرة يضرب مثالاً للتضحية يهوّن به غربة زملائه وإخوانه المعتقلين، فعلى الرغم من صدور قرار بالإفراج عنه بمفرده بكفالة مالية، فإنه رفض الخروج إلا مع من اعتقلوا معه، خصوصاً أنه تحامل على جراحه وبعده عن أسرته من أجل الكرامة والعزة، علما أن هذه الخطوة لم تمر مرور الكرام، فقد ساهمت بشكل كبير ومباشر بتخفيف آلام المعتقلين، وأشعرتهم بأن الخير لايزال في الدنيا وإن واجه بعض المعوقات! وتقديراً لهذا الموقف الإنساني البطولي الذي قل نظيره في زمن غلبت عليه المصلحة الشخصية والأنانية، قامت مجموعة من الشباب بتنظيم حملة على "تويتر" أطلقوا عليها "عبدالحكيم... جابت ولد"، كانت تعبيراً عن الشكر والعرفان لهذا الرجل الذي تفوقت إنسانيته وشهامته على كل آلامه، وتأكيداً على فخر والدته واعتزازها بأنها أنجبت رجلاً صلباً، لا سيما أنه لم يفكر في نفسه فقط، بل حمل معاناة أكثر من 60 أسرة بأطفالها الذين لم يجدوا من يوصلهم إلى مدارسهم خلال فترة الحجز، وبشيوخها الذين ينتظرون من يحضر لهم الأدوية، وبنسائها اللاتي مللن الانتظار، ليثبت لنا جميعا أن المواقف لها رجالها، فكم هي قيّمة هذه البادرة الشجاعة، وكم "عبدالحكيم" نحتاج في أيامنا هذه لنؤكد أن الإنسانية لا هوية لها، ولا أرض تحدها؟!