لماذا هذا الصمت؟!
اتخذ الإخوان المسلمون خصوصاً «إخوان الأردن»، الذين هم أصحاب العلاقة المباشرة، وضعية تلك الحكمة القائلة: «لا أسمع لا أرى لا أتكلم» تجاه عودة المكتب السياسي لحركة «حماس» إلى الإقامة في دمشق، خلافاً لما هو مفترض بالنسبة لحركة وطنية فلسطينية من مصلحتها ومصلحة شعبها ألا تضع نفسها في جيب نظام استبدادي يقف معظم شعبه ضده ويطالب بإزاحته واستبداله بنظام ديمقراطي يوفر الحريات العامة، ويحكم على أساس التعددية السياسية، ويساوي بين السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية والطائفية.لا يجوز أن يلوذ الإخوان المسلمون بكل هذا الصمت إزاء قضية تحمّلهم تبعية ما قام به خالد مشعل ومكتبه السياسي، فحركة «حماس» جرى إنشاؤها في عام 1987 من قبل القيادة العالمية الإخوانية لتكون مشروعها الفلسطيني، ولهذا فإن هذه الحركة بقي التعامل معها على أنها تنظيم إخواني، وأن ما يلزم «الجماعة» كلها يلزمها لاسيما بالنسبة للمواقف السياسية المفصلية، ومن بينها الموقف من سورية وما يجري فيها في هذه المرحلة التاريخية.
إن المعروف أن «الإخوان» السوريين مشاركون أساسيون في كل ما جرى ولا يزال يجري في سورية منذ مارس الماضي، وأن القوانين النافذة هناك تنص على عقوبة الإعدام لكل من يثبت انتماؤه إلى هذه الجماعة المحظورة، والسؤال هنا: كيف يا ترى تصمت التنظيمات الإخوانية بما فيها التنظيم السوري عما قام به المكتب السياسي لحركة «حماس» الذي أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه بمنزلة طعنة خنجر في ظهر الشعب السوري، الذي يقدم يومياً عشرات الشهداء منهم من يُقتَلون تحت راية لا إله إلا الله ودفاعاً عن الأئمة والمساجد؟! لا يوجد أي مبرر لكل هذا الصمت ولكل هذا السكوت اللهم إلا إذا كان هناك وراء الأكمة ما وراءها، وإلا إذا كانت هناك صحة في كل هذه التسريبات المتداولة التي تتحدث عن مفاوضات سرية بين «إخوان» سورية، أو أحد أجنحتهم، وبين نظام الرئيس بشار الأسد الذي بقدر ما سفك من دماء هؤلاء في مجزرة حماة الشهيرة في عام 1982، وقبل ذلك وبعد ذلك بقدر ما غدا مستعداً لمساومة تاريخية تنقذه من مصير أسود بائس إذا بقيت الأمور تسير في الاتجاه الذي تسير فيه.في سنوات سابقة أقام «إخوان» الأردن وغيرهم علاقات اتخذت طابع التبعية مع هذا النظام نفسه، نظام الرئيس بشار الأسد، على حساب إخوانهم «إخوان» سورية، الذين تم تشريدهم بعد مذبحة حماة عام 1982 في كل بقاع الأرض وامتلأت السجون السورية على اتساعها بهم، وبكل من أظهر تعاطفاً معهم، وربما أنه كان بالإمكان القبول بالمبررات التي كانت تقال للدفاع عن هذه العلاقات، لكن كل هذه المبررات لم تعد تنطلي حتى على أصحاب أنصاف العقول بعد أن أصبحت سورية تعيش هذه الأوضاع الثورية غير المسبوقة.لا يوجد أي مبرر لصمت الإخوان المسلمين وفي المقدمة تنظيمهم العالمي إزاء ما فعله المكتب السياسي لحركة «حماس»، ولا يوجد أي مبرر للشيخ خالد مشعل وزملائه في أن يواصلوا الإقامة في دمشق في ظل كل هذا الذي يجري في سورية، مع أنه بإمكانهم أن يطووا صفحة المنافي ويعودوا إلى غزة ليعيشوا في دولتهم التي سلخوها عن السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 2007، فهم ليسوا أيقونات مقدسة، وهم ليسوا أفضل من قادة «حماس» الداخل ولا أفضل من أبناء الشعب الفلسطيني الذين أمضوا كل هذه السنوات الطويلة يعيشون ظروفاً استثنائية قاسية وصعبة جداً.