لم تهدأ العاصفة السياسية التي استمرت قرابة عامين، وانتهت باستقالة حكومة الشيخ ناصر المحمد كرئيس للوزراء، وحل مجلس الأمة حتى بدأت تلوح في الأفق رياح عاصفة جديدة، وفي توقيت حرج ووسط أجواء مستمرة من التشويش على مختلف المستويات.
ومثلما شهدت العاصفة السياسية محطات متسارعة ومتواصلة امتزجت فيها حالات التشنج السياسي والتراشق الإعلامي والاصطفافات بأشكالها المختلفة، وأضفت على حياتنا العامة غمامة قاتمة من القلق والارتباك، فإن العاصفة الدستورية القادمة ستكون نسخة مكررة من المشهد السابق مع تغير المواقع وتبدل جبهتي المعارضة والموالاة، ولكن بنفس الآثار والتداعيات، وبالنتيجة استمرارنا في الدوران في حلقة جديدة من الصراع والخلاف والاحتقان واحتمال انتقال المعركة مرة أخرى إلى ردهات المحكمة الدستورية والإدارية وتحت قبة "عبدالله السالم"، وبالتأكيد على وسائل الإعلام وربما حتى الخروج إلى الشارع.وبغض النظر عن القناعات والمواقف السياسية وتبريراتها وادعاءات الفهم الدستوري، ومدى انطباقها على المخرج من الأزمة السياسية الأخيرة سواء في إجراءات تعيين الحكومة الجديدة أو حل مجلس الأمة، وما قد يتبع ذلك من نتائج في المرحلة القادمة بما فيها انتخاب برلمان جديد، سيكون الجدل الدستوري العنيف والتخندق السياسي على جبهتيه سمة الأيام القادمة والشماعة التي تعلق عليها كل أشكال الخصومة السياسية، ومن المرجح جداً أن يتسبب ذلك في شل العمل السياسي وإقحامه في معارك جانبية على حساب الكثير من القضايا والملفات والمشاريع المعطلة التي تتطلب أصلاً جهداً مضاعفاً للبدء بالتعاطي معها.وأتوقع في حال استمرار مثل هذا الجدل الدستوري أن نبدأ من الآن بتسمية سنة 2012 بعام الطعون التي تشمل التشكيك في دستورية الحكومة الحالية، بل القادمة وشرعية مجلس الأمة المرتقب وبروز علامات الاستفهام بمدى قانونية الإجراءات الخاصة بالتحقيق في قضايا "الإيداعات المليونية"، أو اقتحام مجلس الأمة وما يمس نواب مجلس 2009 المعنيين بهذا الشأن، ولربما بطلان تلك الإجراءات وبغض النظر عن نتائجها النهائية، وانتهاءً بالطعن في جميع القرارات والتشريعات التي قد يقرها المجلس القادم مهما كانت مهمة وذات أبعاد إصلاحية حقيقية، ولنا أن نتصور حالة الاحتقان السياسي المواكبة لمثل هذه التداعيات لشهور أو سنوات قادمة!وإذا كانت إعادة التشكيل الوزاري عبر صدور مرسوم جديد وأداء وزراء الحكومة السابقة أنفسهم القسم من جديد أمام سمو الأمير بمنزلة اعتراف صريح بأن الإجراءات الأخيرة كانت محل شك وارتباك، فإن رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك يظل هو أول وأهم شخص معني بهذا الأمر كونه رجل المرحلة الجديدة، وستكون مصداقيته في احترام الدستور ونجاحه في تقديم نهج جديد على المحك، وإبراءً للذمة ومن باب سد الذرائع والبدء بمرحلة جديدة بكل معنى الكلمة فقد قمنا بإيصال هذا الرأي إلى القيادة السياسية وإلى بعض الوزراء، وحتى بعض نواب المعارضة.وعلى الرغم من كتابة هذه الأسطر قبل يومين من النشر لدواعٍ فنية، وما قد يستجد من قرارات بما فيها مرسوم الدعوة إلى الانتخابات القادمة نؤكد النصح لرئيس الوزراء بأنه ضماناً للبدء بعهد جديد بعيداً عن أي شكوك دستورية، وإبعاداً لشبح أي "عزيزو" عن مسيرة العمل السياسي، ودرءاً لأي نوع من الاستغلال السياسي مستقبلاً، فلتبادر إلى معالجة بقية الثغرات ومنها تعيين "وزير محلل" وإعادة صياغة مرسوم حل مجلس الأمة، فأنت ما زلت فيها يا "بو صباح"، وحتى إذا كانت هناك اجتهادات وآراء دستورية تبرر الوضع القائم ولها كل الاحترام والتقدير، فإن الآراء الدستورية الأخرى قد تكون بمنزلة التزيّد المحمود، ومن شأنها تهيئة أرضية سياسية أكثر استقراراً في ظل أجواء متوترة ومحتقنة أصلاً!
مقالات
عاصفة دستورية!
16-12-2011