تحتاج نتائج الانتخابات العامة إلى دراسات علمية عميقة ومتأنية؛ لأنها تعتبر مؤشراً أو مقياساً للتغييرات التي طرأت على المجتمع وتوجهاته أو تطلعاته العامة، إذ تحرص الدول الديمقراطية أشد الحرص على أن تكون "عينة" الناخبين ممثلة بشكل حقيقي للمواطنين من ناحية الفئات العمرية والتوزيع السكاني والتنوع الاجتماعي والثقافي الموجود في المجتمع، لذا نجدها تحث المواطنين على المشاركة في العملية الانتخابية كواجب وطني.

Ad

وفي هذا السياق، من الملاحظ أن نتائج الانتخابات الأخيرة عكست واقعنا السياسي-الاجتماعي والتغييرات التي حدثت في مجتمعنا رغم انخفاض عدد المواطنين الذين تحق لهم المشاركة في العملية الانتخابية (بحدود 400 ألف) أي ما نسبته 30% تقريباً من العدد الإجمالي للمواطنين (1.4 مليون).

وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن نسبة المشاركة في الاقتراع العام كانت في حدود 61%، فإن عدد الناخبين لم يتجاوز 250 ألفاً، أي ما نسبته 17% فقط من العدد الإجمالي للسكان، وهي نسبة متدنية جداً يتطلب الأمر زيادتها من خلال السماح للشباب دون 18 عاماً والعسكريين بالتصويت في الانتخابات العامة.

على أي حال، فقد أتت نتائج الانتخابات لتكون مرآة عاكسة لواقعنا السياسي-الاجتماعي والتغييرات التي حدثت في مجتمعنا، فاتضح حجم التراجع المؤسف في المجتمع للتيار الوطني بـ"تلاوينه" كافة، أي تيار "الدولة المدنية" بشكله الواسع سواء كقوى سياسية أو كأفراد، وهو الأمر الذي يحتاج إلى مراجعة جذرية تتناول المتغيرات التي حصلت في مجتمعنا وأسبابها، والوضع التنظيمي والسياسي لهذا التيار بما يعيد صياغة رؤيته السياسية ومواقفه من القضايا التي تمس معيشة الناس وقضاياهم الحياتية.

وعلى العكس من ذلك، فقد حصل التيار الإسلامي خصوصاً السنّي على المزيد من المقاعد بعد أن أعاد ترتيب صفوفه بعد الانتخابات الماضية ووجوده بين الناس، وكان طرحه السياسي واضحاً ومعلناً، رغم تحفظاتنا على بعض أطروحاته المثيرة للنعرات الفئوية والطائفية، والتي من دون شك يستفيد منها أثناء توسعه الجماهيري أو أثناء الانتخابات، وهو ما تكشفه نتائج الانتخابات الحالية التي جرت في أجواء اصطفافات عنصرية وقبلية وطائفية حادة كانت نتيجة طبيعية لحالة العبث بالنسيج الاجتماعي التي مورست بكل أسف وبشكل صارخ في السنوات القليلة الماضية!

وهذا الأمر يبين لنا بشكل جلي حدة الانقسام الاجتماعي غير الصحي الموجود في مجتمعنا، والذي يهدد الأمن الاجتماعي لاسيما أنه قد أصبح لكل هذه الاصطفافات المدمرة ممثل "شرعي" في المجلس، ما يعني أن "اللعب" الآن بات فوق الطاولة بعد أن كان تحتها، وهي مسألة غاية في الخطورة يجب على الجميع الوقوف أمامها وقفة جادة وسريعة قبل أن تفتت مجتمعنا. من ناحية أخرى، فقد أكدت نتيجة الانتخابات الرفض الشعبي للنهج السابق في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وهو ما يتطلب حزمة إصلاحات سياسية تؤدي إلى تغيير جذري وشامل في نهج إدارة الدولة من المفترض أن يتضح أول ملامحه في التشكيل الحكومي القادم.

وفي هذا السياق فإن التحدي الذي يواجه نواب ما يسمى مجازاً بالمعارضة هو مدى قدرتهم على البدء بخطوات الإصلاح السياسي الشامل والجذري، وعدم الاكتفاء بالانتصارات الفردية والإعلامية التي لا تبني وطناً البتة، أو الانشغال في خلافات داخلية سرعان ما تعيدنا إلى المربع الأول الذي مللنا جميعاً العودة إليه.

***

نافذة: منعاً لإثارة أي شبهات حول نتائج الانتخابات العامة ونزاهتها، فمن المفترض أن تعلن النتائج التفصيلية للانتخابات حتى لا نقع في الخطأ ذاته الذي حصل في انتخابات 2008 و2009، إذ إن نتيجتيهما التفصيليتين لم تعلنا حتى اللحظة!