في ظل حالة الارتباك هذه التي يعيشها العرب الآن فإنه لا بد من أن تتبلور رافعة عربية تكون صاحبة قرار للتعامل مع هذه الأوضاع المتفاقمة التي يبدو أنها ستبقى مفتوحة على شتى الاحتمالات ولفترة طويلة، مما سيزيد من التدخلات الدولية السافرة في منطقتنا ويعرضها للعبة أمم جديدة، ولعل ما يجري بالنسبة لليبيا من صراعات داخل حلف الأطلسي وخارجه يؤكد أن لعبة الأمم الجديدة هذه ستشمل دولاً أخرى، وقد تكون هناك محاصصات على غرار ما جرى عشية الحرب العالمية الأولى.
تحاول الآن تركيا, جزاها الله كل خير, أن تملأ الفراغ الناجم عن الغياب العربي المثير للكثير من الأسئلة، هذا الغياب الذي شجع إيران على المزيد من استعراض قوتها كل يوم أمام أنوفنا وشجعها أيضاً على الظهور عسكرياً وأمنياً في أحداثٍ من المفترض أنها أحداث داخلية، لكن يداً واحدة لا تصفق، ولكن مواصلة التحرك التركي, والعرب يتفرجون ويتخذون هذا الموقف الاستنكافي الذي يدل على الضعف أكثر مما يدل على التعفف, ستؤدي حتماً إلى إشكالات إقليمية ستكون بالتأكيد على حساب قضايانا الرئيسية.يجب أن يكون هناك غطاء عربي لهذا الدور المتعاظم لتركيا، وبخاصة أن هذا الدور يشكل تصدياً جاداً لكل هذه التدخلات الإيرانية المتعاظمة في منطقتنا، حتى وإن كان رجب طيب أردوغان لا يريد أن يقول هذا، فاتخاذ دور المراقب الذي لا حول له ولا قوة سيزيد من تفاقم الأمور وسيزيد من الظهور الإيراني العسكري والأمني على مسرح مشاكلنا الملتهبة، وسيزيد أيضاً من سطوة لعبة الأمم الجديدة في بلادنا وعلى حساب حاضر ومستقبل أجيالنا، وهذا هو التاريخ بين أيدينا، وبإمكاننا مراجعته.لا يجوز ترك تركيا وحدها تتصدى للمعضلة السورية التي غدت متفاقمة وخطيرة والتي من الواضح أنها ذاهبة حتى نهاية الشوط، وبصراحة فإنه لا بد من بلورة محورٍ عربي وبسرعة من الدول التي كانت تعتبر منظومة الاعتدال, بالإمكان أن يضم بعض الدول العربية القادرة على التنفس في هذه الأجواء الملبدة بكل هذه التراكمات من سحب الدخان المتصاعدة من أمكنة كثيرة, فالأوضاع غدت لا تحتمل الانتظار، وهناك حاجة ماسة لأن يكون هناك موقف عربي يمثل الأكثرية يستند إلى قرار هذا المحور، وأن تكون هناك قيادة عربية للتعاطي مع كل هذه الزلازل والبراكين الهائلة التي إن هي لم يتم ترشيدها فإنها قد تنحرف عن مساراتها وتؤدي إلى كوارث وطنية وقومية فعلية وحقيقية.لم يعد ممكناً القول: «حايد عن ظهري بسيطة» فالجميع بات مستهدفاً والمنطقة كلها أصبحت تهتز وبعنف، والأمن الوطني الداخلي لأي دولة عربية تظن أن النيران بعيدة عن أطراف ثوبها غدا في الدولة «الشقيقة» المجاورة، وكل هذا والتدخل الإيراني السافر في شؤوننا بات يتخذ أشكالاً عسكرية وأمنية على غرار ما يجري في لبنان وفي أكثر من منطقة من مناطق التوتر الملتهبة، والخطأ وأيضاً الخطر هو أن تُتْرك تركيا وحدها في الميدان، وهو الاستمرار بالصمت إزاء تشكُّل معادلة جديدة في الشرق الأوسط أرقامها إسرائيل والولايات المتحدة وإيران والدولة التركية الشقيقة والعزيزة.ولهذا فإنه يجب الآن... الآن وليس غداً، أن تكون هناك مبادرة من قبل المملكة العربية السعودية التي لديها القدرة والتي تحظى باحترام غالبية الأشقاء، إن لم يكن كلهم، للملمة هذا الوضع العربي المرعب والمخيف، وبخاصة أن مؤسسة القمة قد انفرط شملها، وأن الجامعة العربية باتت عاجزة عن فعل ما هو أكثر من المناشدات الوجدانية المحزنة.
أخر كلام
إلى متى هذا الصمت؟!
06-07-2011