ظهرت بمعناها الحقيقي في القرن السابع عشر، وكالعادة اكتشفها الأميركيون، فلا ننكر أن لهم الريادة في كثير من الاكتشافات الصناعية والإنسانية والترفيهية أيضاً، فكان الزعماء في ذلك الوقت يحرصون على مشاركة أهالي مناطقهم ومدنهم وسكان قراهم في التخطيط لمستقبلهم وتقرير مصيرهم.
كانت عملية الاستفتاء تتم بشكل عملي وحضاري وبمشاركة الجميع، وفي النهاية يرجح رأي الأغلبية، فاستحسن الناس الفكرة وانتشر هذا الأسلوب بين الولايات وأصبح نهجاً يتبناه الحكام والسياسيون. وطبعاً تجاوز أسلوب الاستفتاء حدود أميركا إلى القارات المجاورة،فاستخدم بأشكال عدة في أيامنا هذه، حيث تابع أغلبنا استفتاءات الأوروبيين عند نشأة اتحادهم واليورو، فعلى الرغم من وجود المجالس النيابية التي تمثل الشعب فإن هذه الدول احترمت إنسانية شعوبها وأطلقت الاستفتاءات الشعبية، والتي كانت نتائج بعضها 51 لعدم الانضمام و49 للانضمام، فذهبت تلك الدولة للانضمام احتراماً للأغلبية.وفي إفريقيا استخدم زعماء السودان الاستفتاء وسيلة لشطر دولتهم "بالنصيفة" بين المسلمين والمسيحيين، وباعتقادي أن هذا الاستفتاء هو أسوأ ما مر به السودان في تاريخه المعاصر وبداية لحقبة بائسة للشماليين بالذات، فاستخدم أداة صحيحة بشكل خاطئ وفي الوقت "الغلط". نأتي إلى آسيا التي لا تعرف الاستفتاءات بشكل واسع، فنادراً ما نجد دولة- خصوصاً في شرق آسيا- تمارس الاستفتاء، وذلك لأسباب عدة منها أن الديمقراطية في بعض هذه الدول ليست حقيقية، فهناك علاقة مشبوهة بين التجار والسياسيين، أو أن الحكومة والبرلمان لا يضمنان تدخل المتنفذين في قرار الناس خصوصاً البسطاء، أو ربما قد يكون السبب أن هذه الدول لم تصل إلى ثقافة "احترام الجميع" بعد.الاستثناء العجيب هو روسيا التي اكتشفت عملية الاستفتاء أخيراً وعندما أرادت أن تستبقي الجمهوريات الروسية ذات العرقية الواحدة أو الإسلامية، فمنعت استقلالها وحاربت أهلها وأهلكت الحرث والنسل، وقامت على أطلالها، وجاءت بصناديق الاستفتاء وعبأتها "بمعرفتها" وقالت في النهاية إن شعوب هذه الدول لا ترغب بالانفصال (لم تقل الاستقلال)... وأخيراً أغلقت ملف التحرر من تبعيتها إلى أجل غير مسمى.وسورية ليست استثناءً، فبعد أربعين سنة من الحكم الدموي الانقلابي يرفض في دستوره غير حزب واحد فاسد اقترح أبناء هامان على ابن فرعون إقامة استفتاء على دستور جديد... مبروك. لا نعلم من شارك ولا كيفية المشاركة لأن يوم الاستفتاء شهد مقتل أكثر من 128 مواطناً يحق له المشاركة في الاستفتاء، وشهد أيضا 18 مظاهرة موزعة على المحافظات الأربع عشرة. ويعلم الجميع بقية التفاصيل ربما أكثر مني.تجاوزنا بالتأكيد منتصف الشوط المؤدي للنهاية، فالبقية حتما ستكون أقصر مما مضى، فالمؤشرات والأحداث المتسارعة تقول إن الدستور الجديد سيكتبه الخائفون الوجلون تحت قصف المرتزقة، وأيضاً، فطاقم إدارة سورية القادم لن يكون من الشخوص الحاليين.سورية تنهض من تحت ركام "باباعمرو" ومشانق "دير الزور" وسجون "تلبيسة" وحصار "حماة"، ودماء "درعا" ستطاول بحريتها وحزم رجالها وصبر نسائها دول الحرية العربية بشعب بلغ من الشجاعة أنه "ينطح الموت" بالأهازيج.
مقالات
استفتاءات
03-03-2012