الصوم عزوف عن الأكل والشرب في ظاهره البسيط، لكنه في العمق من العبادة، هو لحظة تأمل بين الإنسان وخالقه. لحظة كشف حساب لمسلك بشري يُراد له أن يكون أكثر قرباً من تعاليم الله. العبادة الخالصة، وصلاة المودع، والإحسان والصدق والعفة والتواضع والمساعدة والالتزام بالقانون والمساواة. لكن شيئاً من الدهر المتقلب أصاب رمضان، لدى البعض، فاستحال إلى غير حقيقته.
تحوّل رمضان من شهر صوم إلى شهر أكل نهم، وراحت ميزانية أي أسرة، أياً كان مستواها المعيشي، تتحمل الضعف وربما أكثر في شهر الصوم، يضاف إلى كل ذلك، مسلسلات رمضانية بائسة أصابت المشاهد بتخمة من الأعمال الهابطة. لا أدري سبباً يجعل شركات الإنتاج تكدس أعمالها في شهر رمضان، حتى لتكاد تشغل ساعاته كلها؟ لست ضد الأعمال الفنية، وأنا مع تنوع أشكال الأعمال الفنية الدرامية الراقية، الجادة والتاريخية والفكاهية وبرامج المسابقات، لكن، للسوية الفنية حق على الجميع، بدءاً بكاتب القصة إلى كاتب السيناريو والحوار، مروراً بالممثل ومدير التصوير والمخرج، وصولاً إلى المنتج والقناة العارضة وأخيراً المشاهد. إن نظرة متأنية لأعمال درامية وفنية تعرض في رمضان، توجب التوقف عند أكثر من ملاحظة، فأقل القليل يستوجب عرض النص التاريخي على مؤرخين ثقاة لمراجعته ومطابقته مع الفترات الزمنية التي يتحدث عنها، مطابقة تشمل الحوادث والأمكنة والملابس واللغة والحالة التجارية والاجتماعية، وذلك قبل أن تُعرض أعمالٌ فنية رمضانية تفتقر إلى أبسط عناصر الصدق، خاصة إذا ما تكلمت هذه المسلسلات عن فترات زمنية قريبة، مازالت ظلالها حاضرة في أذهان وذاكرة الناس. إن تجاهلاً لوعي وذكاء المشاهد، هو جهل في أصول العمل الفني، الذي يفترض احترام ذهنية المتلقي، وتقديم الجهد الكبير لإقناعه فيما يرى. ربما شكل التطويل الممل والمكشوف والبائس عنصراً أساسياً في مجمل الأعمال التي تعرض في رمضان، فواضح تماماً أن نسبة كبيرة من الأعمال لا تحتمل أكثر من سبع إلى عشر حلقات، لكنها مُطّت لتكون ثلاثين حلقة، وذلك عبر حركة كاميرا بطيئة، ومشاهد مقحمة لا معنى لها، وإصرار المخرج والمنتج المنفذ على استغفال المشاهد، وهما بذلك لا يستغفلان إلا نفسيهما. إن أصول العمل الفني تتعارض مع قيام الممثل بأكثر من دور في الفترة ذاتها، خاصة إذا ما عُرضت هذه الأعمال على المشاهد نفسه، فما بالك بعدد كبير من الممثلين وهم يشكلون عنصراً مشتركاً بين عدد كبير من المسلسلات الرمضانية، حتى ليصعب على المشاهد أن يميّز بين دور وآخر، خاصة إذا تصاحب هذا مع اعتماد الممثل على موهبة صغيرة، وقيامه بحركات متكررة تبعث على الملل، وتذكر في كل حين بافتقاره إلى الذكاء والوعي الفني المطلوب للممثل المحترف. إن إصرار بعض الممثلين على تقديم أعمال هابطة لغةً وذوقاً وأداءً يشكل إساءة لا للممثل وحده، بل تمسّ هذه الإساءة ذوق وروح المشاهد كون هذه الأعمال موجهة إليه. ولا أجد مبرراً لأن يسيء ممثل لنفسه ويأتي بحركات بذيئة خارجة عن الأدب وبعيدة كل البعد عن الفن والأعمال الفنية. كما أن هناك ممثلين كباراً، كوّنوا صورة طيبة لدى المشاهد، عبر تاريخ طويل وحافل بأعمال محترمة، وليس من سبب يدعو إلى تشويه هذه الصورة والإساءة إليها، بالمشاركة في أعمال هابطة وأدوار لا تتناسب وتاريخهم الطويل والمشرف. رمضان شهر صدق، صدق مع الله، وصدق مع النفس، وصدق مع الآخر، أياً كان هذه الآخر، الزوجة والولد والأهل والمجتمع، وجزء من هذا الصدق يخصّ الفنان بأن يكون صادقاً مع نفسه، ومع المشاهد ومع التاريخ الذي يسجل كل شيء.
توابل
دراما رمضان!
30-08-2011