الدستور... ربيعنا الدائم
نحن على أعتاب عام 2012 حيث نحتفل باليوبيل الذهبي لصدور دستور عام 62، هذا الدستور الذي وضعه رجال الكويت المخلصون الذين كانوا بحق سابقين لعصرهم، إذ أورثونا دستوراً مازالت شعوب المنطقة والإقليم تحلم في أقل مما جاء فيه من مواد ومبادئ تكفل حرية وكرامة الإنسان، وتنظم علاقة الحاكم والمحكوم. وغنيٌ عن القول إن السلطة المطلقة هي عشق الدولة الأول على مر العصور والأزمنة، وإن الدساتير والعهود المكتوبة هي العائق الأول بين العاشق ومعشوقته، حيث إنها تغل يد السلطة عن إدارة شؤون البلاد حسب ما تشاء. والسلطة في الكويت لم تكن بمعزل عن هذه الحقيقة التاريخية، فقد تعاملت على مضض مع هذا الدستور، وانقلبت عليه أكثر من مرة، إلا أنه ومع مرور نصف قرن من الزمان على صدوره يبدو أنها أخيراً قد وعت جيداً أن هذا الدستور لها وليس عليها، وهو لحمايتها قبل غيرها؛ لذلك أصبح التعاطي معه أمراً واقعاً، ومن أبرز دلائله هو استمرار الحياة النيابية دون انقطاع منذ عام 1992. وقد أثبتت الأحداث والأزمات بأن الدستور صمام أمان، ومخرج لتلك الأزمات، فذاكرتنا مازالت حية أثناء الاحتلال العراقي الذي استهدف كيان الدولة وشرعيتها، وكم كان المشهد جميلا وراقيا حين التفّ الشعب الكويتي ورموزه حول قيادته الشرعية بمؤتمر جدة عام 1990، وقد كان بوسعنا تخيل الوضع وتعقيداته لو لم تكن هناك وثيقة مكتوبة قبل 30 عاما من هذا التاريخ، والذي تم باختصار هو تأكيد التوافق عليها. ولعل أزمة الحكم التي حدثت عام 2006 خير دليل على ما يمثله الدستور من قاعدة أساسية يمكن من خلالها تجاوز الصعاب والأزمات والأحداث المعقدة، فسيناريو الانتقال السلس إلى السلطة في ظل ظروف استثنائية قلما يحدث في دول العالم الثالث. وإذا كانت رياح التغيير تمر على المنطقة أو كما يسمى بالربيع العربي فإننا في الكويت مضى على ربيعنا الدستوري 50 عاما. وإنّ هذا الربيع وإن كان ربيعاً إلا أنه مازال أجدب، وقد آن لنا أن نرى ونشمّ زهوره، وهذا لن يتم إلا بظهور أثر هذا النظام الدستوري في الفرد والمجتمع، وتأصيل دور دولة المؤسسات، وأن يعي المواطن تماما ما هي حقوقه وواجباته. ولعل من المفارقة أنه منذ عام 62 لم يتم إدخال مادة الدستور في مناهج وزارة التربية إلا في السنوات القليلة الماضية!! الأمر الذي ساهم دون شك بالإضافة إلى عوامل كثيرة في تأخير ما كان يُطمح إليه في خلق المواطنة الحقة والمضي نحو دولة مدنية متطورة. ولعل من أهم ما أخّر ازدهار هذا الربيع أيضاً هو عدم تطابق النص الدستوري مع الواقع العملي، فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما نجد كفالة الدولة لتكافؤ الفرص والمساواة نصاً لا نجدها واقعاً، ونرى أيضا حرمة الأموال العامة نصاً ومستباحة واقعاً، بل الأدهى عندما يخصص الدستور فصلاً ومواد عن السلطة القضائية، ويشير إليها بأنها سلطة، وينص في مادة أخرى بالفصل بين السلطات، ولا نجد هذا الفصل واقعاً!! لذا لقد آن لهذا الدستور أن تُزهر حروفه وكلماته واقعاً على الأرض، وأن تؤمن به الحكومات المتعاقبة وتعمل على تطبيقه شكلاً ومضموناً، وأن تتدارك هفوات الماضي لنصل إلى نضوج هذه التجربة، وأن تتحول من مرحلة التجربة إلى مرحلة المثال والنموذج.