لا أدري إن كان من المنطقي التساؤل عن حجم الأموال التي وفرها الغرب والناتو للتخلص من دكتاتور كمعمر القذافي خلال فترة وجيزة، وطبيعة التلكؤ والتردد في التعامل مع كارثة المجاعة في الصومال.

Ad

يبدو السؤال منطقياً ولكنه ليس كذلك للأسف، فحالة التنادي والتكالب والتلاوم بين هذا وذاك حول حالة الصومال المأساوية ليست إلا دلالة على هشاشة المجتمع الدولي، وأعني هنا المجتمع الدولي كله بشرقه وغربه، فلا أفهم هنا أن مسؤولية إنقاذ بلد من الانهيار وإعادته إلى وضعه الطبيعي يتحملها طرف واحد، بل الكل مسؤول والكل مدان.

صحيح ان أي تحرك خيري إنساني للتخفيف من وطأة الجوع والعوز هو فعل محمود ومطلوب، وقد يؤدي التحرك إلى تحسين الأوضاع الراهنة المأساوية وبالذات في منطقتي باي اند بكول وشبيلا السفلي ولكن إلى متى؟ فنحن نتحدث عن بلد مدمر مفكك عبث به الانقسام الداخلي القبلي وتدخلات دول الجوار وغير دول الجوار. فمنذ انهيار نظام محمد سياد بري في أواخر 1990 ضربت البلاد 5 موجات جفاف ومجاعة كما لم تكن الطبيعة رحيمة، فكان أن اجتاحها إعصار تسونامي والذي كانت إحدى ضحاياه شبه جزيرة الحافون التي زرتها حينذاك فوجدتها أثراً بعد عين. وللأسف لم تفلح العملية الكبرى للأمم المتحدة في بداية التسعينيات التي أطلق عليها اسم رمزي دال، ألا وهو «عملية إعادة الأمل» إلى إعادة أي أمل، بل وجدناها قد عقدت من الحالة الصومالية بدلاً من أن تعيدها إلى الجادة.

منذ قرابة الثلاثة عشر عاماً وهي الحقبة التي اهتممت وانشغلت فيها بالشأن الصومالي، كان الجزء الأكبر منها (8 سنوات) بتكليف من الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان لي بتولي الملف الإنسان هناك، والأحوال تسير من سيئ إلى أسوأ، وقد حذرت من ذلك مرات ومرات عبر تقاريري السنوية للأمم المتحدة ولمجلس حقوق الإنسان في جنيف.

بالطبع الأزمة الإنسانية هذه المرة غير مسبوقة، ولكن مشهد المخيمات البائسة التي نراها اليوم ليس إلا صورة مضخمة لواقع يعيشه أهل تلك المخيمات بعضهم منذ 1991 سواء قرب بوصاصو أو كيس مايو أو مقديشو أو بكول أو حتى داداب في كينيا. لقد بلغت مأساوية الوضع حداً «سريالياً». ضمن شدة مأساوية الأحوال نجد أشخاصاً يضحون بحياتهم لركوب القوارب لدخول اليمن وهو البلد الفقير أصلاً، وفي إحصائية محافظة أعددتها سابقاً فإنه يموت غرقاً في عملية العبور تلك قرابة الـ300 شخص سنوياً. وفي ذات الوقت تستبيح سفن أجنبية سواحل الصومال لتنهب ثرواته السمكية دون رقيب أو حسيب، كما تنشأ في ذات الإطار ظاهرة القراصنة في منطقة يوجد فيها الأساطيل الغربية لمكافحة الإرهاب من قياداتها المركزية في جيبوتي. نعم نحن بحاجة إلى عمل كل ما بوسعنا لإغاثة الجوعى وسد رمقهم، وعلينا شكر وتحية كل جهد في هذا الإطار، إلا أننا على موعد مع مأساة أخرى قريباً، ما لم يضع المجتمع الدولي جهداً مضاعفاً لإعادة ترميم الدولة الصومالية وكف دول الجوار عن التدخل وصب زيت مصالحهم على نار الخلافات الداخلية أصلاً. وحسناً أن تظهر منظمة المؤتمر الإسلامي بالصورة بعد أن كانت غائبة طوال السنين الماضية، ونأمل ألا ينشغل المسؤولون بالكاميرات والفلاشات والظهور الإعلامي، وأن يبذلوا جهداً فائقاً في ما وراء المجاعة والمأساة، لأن الحالة الطبيعية في الصومال هي حالة الفقر والجوع، وما نراه الآن ليس إلا الصورة المضخمة.

أتمنى أن نفهم درس المأساة الصومالية بهذه الصورة، فإن لم نفهمه وتعاملنا مع الموضوع بالشكل الاحتفالي الذي لا يتجاوز افتخار كل جهة بنفسها وبجهودها فقط، فإنه لن يكون آخر درس، وسيكون الجميع مجرد تلاميذ لا يتعلمون، ليصبح بعدها درساً مستمراً لا نهاية له، ولا حول ولا قوة إلا بالله.