إنه وقت السكين!
هل يوجد اليوم في الكويت من لا يشعر بحجم التدهور السياسي وتردي الوضع اقتصاديا وخدماتيا، في كل النواحي والمستويات؟ لا أعتقد.أقول ذلك وأعترف في ذات الوقت بأني لا أمتلك معلومة موثقة إحصائيا بشكل دقيق عن حجم التذمر وعدم الرضا الشعبي تجاه الأوضاع، وإن كنت قد أجريت في الإنترنت منذ مدة استقصاء مبدئيا بسيطا حول الموضوع فأظهرت نتائجه أن نسبة المستائين هي الغالبة.
لكن، ودون الحاجة للتوثيق الإحصائي الدقيق، فإن الملمح العام واضح جدا، والمتابعة لما يقوله الناس ويتحدثون به ويكتبون عنه في المواقع الإلكترونية، تكشف، على الأقل، أن مستوى التذمر في ازدياد يوما بعد يوم، خصوصا أن الأحداث لا تنفك تأتي كل يوم بخبر جديد من أخبار التدهور والتردي "والفساد"، وتشير بأصابع الاتهام للحكومة بأنها إما وراء ما يجري بشكل مباشر، وإما أنها تهاونت وقصرت عن القيام بدورها المفترض تجاهه.ما قلته ليس بجديد والكل يعرفه، لكن الجديد هو أن هذا التذمر قد انعكس على مفردات الشعارات المرفوعة وشكل المطالبات الإصلاحية المنادى بها، فكانت المطالبات سابقا تنادي بمعالجة خلافات الأسرة والنأي بها عن التأثير في الواقع السياسي، ثم صارت تطالب بتغيير الحكومة، ثم طالبت برحيل رئيس الحكومة، ثم تحولت إلى تغيير رئيس الحكومة ونهج تشكيل الحكومة مع تغيير العملية الانتخابية وإشهار الأحزاب، حتى وصلت إلى المطالبة برئيس حكومة شعبي منتخب، وبعدها قفزت إلى مرحلة المطالبة بتغيير النظام السياسي في الكويت إلى نظام ملكي دستوري، يجعل إدارة الدولة من رأس الحكومة إلى ما تحته بيد الشعب! بعض المتابعين لما يجري يرون أن هذه المطالبات، مع وصولها إلى هذا المستوى، قد خرجت عن سياق المعقول، بل يقول بعضهم إنها صارت أشبه بالجنون، ناهيك عن اتجاه البعض إلى التشكيك في نوايا وأجندات من يقفون خلف هذه المطالبات واتهامهم بالمندسين المدفوعين من الخارج لتقويض استقرار البلاد، لكن الحقيقة أن من سيحلل بإنصاف سيجد أن تصاعد هذه المطالبات هو تصاعد منطقي وموضوعي جدا بالنظر إلى عدم استجابة السلطة إلى أي من المطالبات السابقة بأي طريقة مقنعة، مما أرسل رسالة مستفزة للناس بعدم اكتراث السلطة بهم، بالإضافة إلى تزايد وتيرة الفساد والتدهور مما ساهم في تعميق الجرح وزيادة عدم الرضا عنها، بل رفض وجودها بالكلية.المسألة، في قناعتي، لم تخرج عن السياق الاجتماعي المتوقع، فكل مطالبات الشعوب، في أي مكان من العالم، البعيد عنا والقريب، عندما يتم الإمعان في تجاهلها بالإضافة إلى زيادة الدوافع التي أدت إلى ظهورها في الأساس، من ترد وتدهور وفساد وغيرها، يكون مصيرها إلى أن ترتفع حتى تصل إلى سقف أعلى وأكثر حرجا.لن أقول إن الأمر قد خرج عن السيطرة، على الرغم من أنه ليس بعيدا عن هذا في الواقع، فأنا أدرك تماما أن ظاهر الصورة لا يكشف عن حجم الغليان الشعبي في الحقيقة، وأعرف أن حجم التظاهرات التي خرجت إلى الشارع في السابق قد يبدو بسيطا، لكنني أعلم أن هذا الأمر مرتبط بالطبيعة الاجتماعية المسالمة للشعب الكويتي في مثل هذه الأمور، لكنني سأقول إن من الخطأ الفاحش التعويل على هذا الهدوء أبدا.واقعنا السياسي قد وصل إلى مرحلة حرجة جدا، والظروف الحرجة لا تحتمل المعالجات الموضعية التخديرية، بل تحتاج إلى إعمال السكين عميقا في الجراح لعلاجها، لقطع ما يستحق القطع، وبتر ما يتطلب البتر.نعم قد تكون الفكرة حين يتخيلها الإنسان مخيفة ومهيبة، وقد يكون العلاج مؤلما لكثير من الأطراف، لكنه سيكون حتما أهون بكثير من استشراء المرض، وما قد ينتج عن ذلك مما لا يحمد عقباه، فهل يسمعنا أولو الأمر؟!