غير مستغرب أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب الإسرائيليين في معركة انضمام فلسطين، بعضوية كاملة، إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، أما أن تقول إن هذا القرار سابق لأوانه وإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية من شأنها أن تقوض فرص استئناف عملية السلام، فإنها بهذا تكذب على نفسها وتكذب على شعبها وتكذب أيضاً على العالم كله، وبخاصة أنها قالت أيضاً إن التصويت اليوم يلهينا عن هدفنا المشترك بإجراء مفاوضات مباشرة تُفضي إلى ضمان أمن إسرائيل واستقلال فلسطين، على أساس بلدين يعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمان!! فالولايات المتحدة، التي لم يعد موضع شك ولا نقاش أنها هي إسرائيل وأن إسرائيل هي الولايات المتحدة، تعرف أن نتنياهو هو الذي يعطل عملية السلام، وأنه في حقيقة الأمر لا يريد سلاماً، لا هو ولا حكومته ولا شركاؤه في هذه الحكومة المتطرفة، التي هي حكومة المستوطنين، وعلى رأسهم هذا الرجل المصاب بكل الأمراض السياسية التي عرفها التاريخ أفيغدور ليبرمان.

Ad

كان على الولايات المتحدة، على أساس تصريحات رئيسها الحالي باراك أوباما في بدايات حكمه، الذي أشرف على نهايات سنواته الأربع الأولى، والتي تحدث فيها مراراً وتكراراً عن ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة والاستمرار إلى جانب الدولة الإسرائيلية، ألاّ تتخذ ذلك الموقف المخزي ضد قبول مجلس الأمن الدولي فلسطين عضواً كامل العضوية، وكان عليها أن تمنع نتنياهو وحكومته من مواصلة الاستيطان الذي كانت أكدت، وهي لا تزال تؤكد، أنه غير شرعي ولا تعترف به.

والسؤال الذي يجب أن يوجه إلى الرئيس باراك أوباما وإلى كل مسؤول في الإدارة الأميركية هو: هل هذا القرار، قرار الاعتراف بفلسطين عضواً كامل العضوية في منظمة "اليونسكو"، هو الذي يهدد عملية السلام، أم أنه هذا السعار الاستيطاني؟! ثم هل هناك بالأساس سلام وعملية سلام حتى يقول البيت الأبيض هذا الذي قاله، والذي سمع العرب مثله الكثير، الآن وفي الماضي وفي المستقبل أيضاً بكل تأكيد؟!

لقد صوتت مئة وسبع دول مع قرار قبول فلسطين في هذه الهيئة الدولية، بينما اقتصر عدد الدول التي وقفت ضده على أربع عشرة دولة، في مقدمتها الولايات المتحدة ومعها كندا وألمانيا، والمعروف أن لهذه الدول الثلاث مصالح استراتيجية مع العرب، والمفترض أن تتأثر هذه المصالح بعد هذا التصويت المستغرب، وبعد هذا الاصطفاف إلى جانب دولة إسرائيل التي هي الدولة المحتلة المتبقية الوحيدة في العالم بأسره، والتي تمارس قمعاً ضد الشعب الفلسطيني لم يمارسه أي من طغاة التاريخ الذين احتلوا بلدان شعوب أخرى، إن في الحرب العالمية الأولى وإن في الحرب العالمية الثانية، وإن قبل ذلك وبعد ذلك.

لم تعد الولايات المتحدة دولة صديقة، لا للعرب بصورة عامة ولا لأي دولة عربية، فوقوفها إلى جانب إسرائيل وتبنّيها لأبشع السياسات والمواقف الإسرائيلية تجاوز كل الحدود المقبولة والمعقولة، وهذا يجب أن يفهمه الشعب الأميركي جيداً، الذي عليه أن يدرك أن انحياز هذه الإدارة الأميركية، والتي سبقتها ومعظم الإدارات الأميركية إلى جانب دولة مارقة تمارس استبداداً لا مثيل له ضد الشعب الذي تَحتَلُّ أرضه، هو سبب كره أهل هذه المنطقة لدولتهم وعدائهم لها، وهذا قد يتحول في يومٍ من الأيام إذا لم يتوقف هذا الانحياز الأعمى إلى الإسرائيليين إلى أعمال عدوانية، وهذا ما نرفضه ولا نريده ولا نقبله على الإطلاق.