أكثر ما أترقبه مما أطلق عليه الربيع العربي هو ما سيحدثه هذا الربيع من أثر على واقع الفن في الوطن العربي وخصوصا الأغنية!

Ad

أترقب وكلي أسئلة لا تنتهي.

ما هو المناخ الجديد الذي سيخلقه هذا الربيع للأغنية، وما طبيعة الآفاق التي سيحدّدها؟! وكيف ستتعاطى الأغنية مع معطيات الواقع الجديد الذي ترسمه الثورات الشعبية في الوطن العربي؟!

هل ستكتفي الأغنية مثلا بتغيير جلدها فقط كما تفعل الأفاعي؟! أم ان الواقع الجديد سيخلق على الفور روحا جديدة لا تشبه الروح السائدة قبل هذه الأحداث والتغييرات في شيء؟!

هل ستتغير الذائقة الجماهيرية إثر هذه التغيرات الجذرية التي تحدث في هذه المجتمعات على كل الصعد؟! أم ان الذائقة الجماهيرية ستبقى محصّنة ضد هذه التغيرات، وبمعزل عن كل ما يجري حولها من انهيارات وزلازل وبراكين؟!

أترّقب ما سينتج عما يحدث بشغف لا حد له

أتذكّر أنه عندما كانت ثورة شباب ميدان التحرير في مصر في أوجها، أتذكّر الأغاني التي كان الشباب في الميدان يرددونها سواء مما حفظت ذاكرتهم للشيخ إمام مثلا أو سيد درويش أومحمد منير، أو الأغاني التي كانوا يؤلفونها في حينها تماهيا مع ذلك الحدث المهيب، أغاني تختلف تماما عن تلك التي كانت تملأ شوارع القاهرة قبل يوم فقط من انطلاق الثورة.

تختلف عن تلك الأغاني التي كانت تطوف بها سيارات الأجرة نهارا، أو تلك الأغاني التي كانت "تطفو" بها العوامات الراسية في النيل ليلا!

الأغاني التي كانت تصدح بها حناجر الشباب في ميدان التحرير، كان لها طعم يشبه الشربات، ورائحة قريبة من الفل البلدي، ولون بسمرة القمح المصري.

الأغاني كان لها خلطة غريبة في تكوينها ومدهشة، كان لها نفَس، ولها نبض، وكان بالإمكان وضع "ترمومتر" تحت لسانها لقياس درجة حرارتها!

اختفت في ميدان التحرير أغاني ما قبل الثورة، أغاني عمرو دياب، وتامر حسني، وشعبولا، وبقية القائمة من أشباه هؤلاء.

تلك الأغاني التي خطفت الميكرفون إما بأوامر من أشخاص نافذين حينها، أو بأوامر من الجنرال إحباط!

المهم ان هذه النوعية الرديئة من الفن والفنانين اختفت خلال جذوة التحرك الشبابي في ميدان التحرير، وصدحت الأغاني الصافية والبسيطة والتي تعلي من قيمة الغناء للحب والإنسان والحرية والحياة الجميلة.

الآن بعد ان خفّت كثيرا حركة الاحتجاج وهدأ سيل التغيير، لم أعد ألحظ وجودا لأغاني ميدان التحرير تلك، لقد خبا زخمها قليلا على ما أظن،

ولا أزال أسأل نفسي:

هل ستعود الأغنية في مصر مثلا إلى ما كانت عليه قبل الثورة؟! مما يعني عودة عمرو دياب وتامر حسني وشعبولا وبقية القائمة إياها، وتيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي؟!

أم ان هي فترة مخاض لابد أن تمر فيها الأغنية، بل والذهنية التي تصنع الأغنية لتنتج لنا أغنية جديدة بأصوات جديدة، ونصوص جديدة، وموسيقى جديدة، ورسالة مختلفة للفن وللأغنية بشكل خاص؟!