عُقدت القمة العربية العشرون في مدينة سرت الليبية في شهر مارس من عام 2010، العقيد الليبي معمر القذافي كان حاضرا، وبكامل أبّهته، وهي القمة ذاتها التي انطلقت منها فكرة عقد قمة مخصصة للثقافة العربية، يتولى التنسيق بشأنها الأمين العام للجامعة العربية آنذاك عمرو موسى بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي، وعقد لاحقاً (شهر مايو من العام ذاته) لقاء تحضيري في مؤسسة الفكر العربي، وانتهى إلى توصيات وخلاصات عدّة.
المقدمة السابقة كان لا بدّ منها، للعبور أو الخطْو نحو المرحلة الراهنة، فبعد مرور نحو تسعة أشهر من القمة إياها أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه، و«برجل» كل حسابات القادة العرب، الراحلين، أو من هم على الحافّة الآن، وبالطبع لا نستطيع الحديث هنا عن قمة عربية لقادة لم تتضح ملامحهم بعد، وإن كان الحديث سجالا في شأن جدوى هذه القمة من أساسها، حتى وإن عقدت في حضور «الطغاة» الراحلين أنفسهم.تقرير مؤسسة الفكر العربي الصادر أخيرا، بعد عقد قمة «فكر 10» في دبي يشي بوضع خطير للغاية، فهذا التقرير الذي، نشرت مقاطع منه في الصحافة العربية، يظهر مقارنة مضحكة/ مبكية بين المواطن العربي ونظيره في الدول الغربية، لما يتعّلّق بنسبة القراءة، فالإنسان العربي يقرأ (6 دقائق) في العام الواحد، مقارنة بـ«200 ساعة» للإنسان الأوروبي.لم يُوزّع التقرير – للأسف الشديد- في شكل كتاب، أو مطبوعة، يمكن الرجوع إليها والاحتفاظ بها في الجامعات ومراكز الدراسات ووسائل الإعلام، وهذه إحدى خطايا المؤسسات الثقافية العربية التي تحصر جلّ اهتمامها بنفر قليل لا يتجاوز العشرات، يحضرون هذا المؤتمر أو ذاك، وتتجاهل مئات المكتبات العامة، والمراكز البحثية المنتشرة في الوطن العربي.مهما يكن من أمر فإن مؤسسة الفكر العربي هي واحدة من أهم المؤسسات الثقافية العربية، بما تمتلكه من إمكانات للمواءمة بين الاقتصاد والثقافة، وكذلك فإن المؤسسة تُظهر للعلن تقارير، أو خلاصات تنتهي إليها تلك الاستبانات في شأن قضايا شبابية واجتماعية وثقافية لافتة. فالتقرير الأخير مثلا خلص من ضمن نتائجه أو استكشافاته إلى أن نسبة التدوين النسائي باتت عالية في الجزائر ومنطقة الخليج العربي، مقارنة بأقطار عربية أخرى، وخلص كذلك إلى أن الاقتصاد يأتي في مقدمة اهتمام دولة الإمارات، في حين تُولي قطر اهتماما بمسألة التعليم، ويناقش التقرير مسائل أخرى مثل قضية اللغة العربية، واهتمام الشرائح الشبابية بها.وضمن استبيان أجري بشأن الشعراء العرب، ومعرفة الناس بهم، يأتي أحمد شوقي في القمة، ومن بعده عنترة بن شداد، ومن ثم المتنبي، ويعزو التقرير، تصدر أحمد شوقي القمة لما له من شاعرية متجددة، وغناء محمد عبدالوهاب لقصائده، ويعزو التقرير سبب المعرفة بالشاعرين المتنبي وعنترة بن شداد، إلى انتشار أخبارهما على ألسنة الحكواتية في المقاهي الشعبية في مراحل ما قبل التلفزيون، وتجسيد سيرتهما في أعمال درامية لاحقا، وتضمين المناهج الدراسية بعضا من نصوصهما. اللافت أن أدباء معاصرين من أمثال أدونيس، وغازي القصيبي، وجابر عصفور، وعبدالرحمن منيف، يأتون في ذيل القائمة، بل بعض هؤلاء يحمل علامات جيّدة في خانة «لم أسمع به».يحتاج التقرير إلى مزيد من التمحيص، بل قد يكون بادرة حقيقية لإعادة النظر في المناهج العربية التي تكرّس لهذه الأمية، وكذلك دور المؤسسات الثقافية، بما يضمن خطة عمل تساهم في رفع نسبة القراءة المخجلة هذه، حتى وإن كانت عن طريق محاربة الأمية في الوطن العربي، والوصول بـ«الطابشور» والـ«السبورة» إلى أقصى بقاع الريف، فمؤسسة الفكر العربي تمتلك الإمكانات المادية، حتى لو لم يتبرّع لها سوى مؤسسيها، وأعضاء مجلس إدارتها، فلتخصص المؤسسة مثلا كل سنة من دوراتها لمحاربة الأمية في هذا الوطن أو ذاك، وليكن لها استشاراتها المهمة في شأن تعديل المناهج العربية. نحن قادرون إذا أخلصنا في محاربة الأمية، ونشر الوعي بأهمية القراءة.* للاطلاع على فقرات من تقرير «فكر 10» انظر: الشرق الأوسط اللندنية عدد 12066 تاريخ 11/12/2011
توابل
بين فكر 10 وقمة الثقافة
18-12-2011