كان لافتاً أن تبادل الأوراق التي سيتم بموجبها استقلال الكويت قد تم بهدوء منقطع النظير، لم يعلَن عن الحدث، ولم يتم استدعاء وسائل الإعلام، بل تم حدث بأهمية استقلال البلاد ببساطة ملحوظة.

Ad

ففي الساعة التاسعة من صباح يوم 19 يونيو 1961 حسب طلعت الغصين اصطفت ثلة من رجال الحرس الأميري لتحية وليام لوس المقيم البريطاني في الخليج الذي حضر إلى قصر السيف يرافقه جون ريتشموند المعتمد البريطاني في الكويت، والذي أصبح لاحقاً أول سفير لبريطانيا، و(إسرائيل كانو) من موظفي دار الاعتماد البريطاني والمسؤول عن الشؤون العربية والترجمة، وتوجهوا بمعية بدر الملا إلى مكتب سمو الأمير الشيخ عبدالله السالم، حيث كان عبداللطيف النصف ومحمد درويش العرادى في استقبالهم.

كان سموه واقفاً وراء مكتب في آخر الغرفة، وجلس إلى شماله (لوس) ثم (ريتشموند) ثم بدر الملا.

خلال دقائق تمت مراسم تبادل الكتابين، وقَّع (لوس) كتابه الموجه إلى سمو الأمير، والذي كان يحمله (إسرائيل كانو) ثم نهض طلعت الغصين، حاملاً رد سمو الأمير الموجه إلى المقيم البريطاني فوقعه سموه.

بهذه البساطة إذاً تم استقلال الكويت وأصبحت بموجب ذلك «دولة مستقلة ذات سيادة».

على أثر ذلك وجه صاحب السمو أمير البلاد الشيخ عبدالله السالم الكلمة التالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

شعبي العزيز إخواني وأولادي...

«في هذا اليوم الأغر من أيام وطننا المحبوب، في هذا اليوم الذي ننتقل فيه من مرحلة إلى مرحلة أخرى من مراحل التاريخ، ونطوي مع انبلاج صبحه صفحة من الماضي بكل ما تحمله وانطوت عليه لنفتح صفحة جديدة تتمثل في هذه الاتفاقية التي تقرؤونها الآن، والتي نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة.

في هذا اليوم والسرور يملأ الجوانح، والابتسامات المشرقة تعلو الوجوه، نرفع أبصارنا بخشوع إلى المولى عز وجل، لنحمده سبحانه ونشكره على ما وفقنا إليه، وأنعم علينا به. ولقد كان للتعاون الوثيق بين الحكومة ممثلة في المسؤولين من أبناء الأسرة الحاكمة، وبين الشعب المخلص من المغزى الجميل ما أشاع الغبطة والاستحسان في نفسي، وجعلني أتمنى استمرار مثل هذا التعاون لخير البلد ودوام تقدمه وازدهاره.

ولا يفوتني هنا أن أنوه بالروح الطيبة التي سادت المباحثات، وأن أسجل للجانب البريطاني الصديق ما تحلى به من رحابة الصدر، وحسن التفهم للأمور والرغبة الصادقة في التفاهم، مما جعل الوصول إلى الغاية المنشودة - في سهولة ويسر - مؤكداً مضموناً منذ البداية.

وختاماً، فإننا نرجو ونحن على أبواب عهد جديد أن تبدأ الكويت انطلاقها بتقوية أواصر الصداقة والأخوة مع شقيقاتها الدول العربية، للعمل بتكاتف وتآزر على ما فيه خير العرب وتحقيق أماني الأمة العربية. كما أن الوضع الجديد يتطلب منا العمل على الانتماء للجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة وغيرهما من المنظمات التي تعمل لخير العالم وأمنه وسلامه كلما كان ذلك في الإمكان، والله ولي التوفيق».

إن قراءة متفحصة لكلمة سموه بالإضافة إلى الاطلاع على وثائق تلك الفترة تدل على أن أمر استقلال الكويت خضع لمفاوضات ذات إشكاليات.

وما إن تم إعلان الاستقلال حتى توالت برقيات التهنئة والتأييد، حيث وصلت تهنئة الملك سعود، والتي أوصلها إلى سموه فهد النفيسي وكيل الملك في الكويت حينذاك، كما وصلت تهنئة شاه إيران وغيرها.

إلا أن برقية عبدالكريم قاسم رئيس الوزراء العراقي، التي وصلت يوم الأربعاء 21 يونيو 1961 كانت مختلفة بعض الشيء...

وللحديث بقية