حالة الحراك الشعبي الثورية والاحتجاجية التي تعم العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه تأخذ أشكالاً متباينة في كل بلد، بل إن المطالب ذاتها تختلف وتتباين، والأسلوب كذلك، فمن مطالب إصلاحية إلى تغيير جذري، ومن أسلوب سلمي توافقي إلى أسلوب آخر عنيف.

Ad

وحيث إن التغيير هو سنة الحياة، والثابت الوحيد في المجتمعات هو التغيير، فإننا مقبلون على تغييرات ستطال الجميع دون استثناء، وإن بدرجات متفاوتة.

الساكنون، والراكدون، ومؤيدو الأمر الواقع، لا يمكن لهم بحكم تركيبتهم الذهنية، أن يقبلوا أو يهضموا أي حراك، أو تغيير من أي نوع، فما بالك إن كان ذلك الحراك يؤدي إلى سقوط أنظمة، وغياب استقرار، وربما تولى الحكم جهات غير معلومة الأصل والفصل السياسي.

يضاف إلى ذلك أن الحكام والأنظمة الحاكمة والمستفيدين من وجودها يستشعرون الخطر أكثر من غيرهم، ويسعون إلى إفشال وتفتيت ذلك الحراك الاحتجاجي بكافة الوسائل المتاحة، بما في ذلك العنف، بل إنهم قد يفتعلون العنف أحياناً لتبرير استخدامهم للعنف، وقد ظل الأخوة الأعداء الحكام العرب، الساقطون في التاريخ، الباحثون في الأداء، يكررون دوماً أن مؤامرة خارجية ما يتم تدبيرها ضدهم، بينما هم أنفسهم قد يكونون مؤامرة خارجية، إن صح التعبير.

لذا، فإن المسار الاحتجاجي الثوري العربي مرشح لأن يمر بمحاولات إفشال وحرف عن الوصول إلى الاستقرار ومن المتوقع أن يقوم الحرس القديم، وحماة المعبد وكهنته، بافتعال كل شيء، لكي يظهروا للناس أن النظام الذي رحل كان ضرورياً، وأن الاحتجاج لم يكن إلا مؤامرة خارجية، فيقوم رجل الإطفاء المزعوم بإشعال الحرائق، لكي يتراكض الناس له ليقوم بإطفائها.

هكذا ربما يأتي تفسير ما جرى من أحداث مؤسفة، مؤلمة في مصر، كانت مسرحيتها المعلنة افتعال أحداث طائفية، وهي أحداث مكررة، وقد تتكرر، وتستمر الأنظمة في الحديث عن مؤامرات خارجية، بينما هي عاجزة عن التعامل مع إشكاليات واحتقانات داخل المجتمع، بحاجة إلى معالجة عميقة أبعد من مجرد تصريحات وتصريحات مضادة، لا تسمن ولا تغني من جوع.