بعد أيام قليلة من إعلان الكويت استقلالها في 19 يونيو 1961، أعلن رئيس الوزراء العراقي عبدالكريم قاسم بطلان ذلك الاستقلال. فهل كان الزعيم الذي قيل إن له 99 لقباً، وكانت «الهوسة» المشهورة حوله «ماكو زعيم غير عبدالكريم»، جاداً حقاً في مطالبته بالكويت؟ وهل كانت تلك المطالبة قد تم ترتيبها مع بريطانيا، لكي تعود إلى المنطقة عسكرياً في صورة المنقذ، وهو ما لمّح إليه السفير البريطاني المعتق في بغداد، في ذلك الوقت، همفري تريفليان؟ أما لماذا لم يحرك قاسم قواته في اتجاه الكويت بالسرعة الكافية أو بذات السرعة التي تنطلق بها كلماته في بياناته ومؤتمراته الصحافية، فذلك أمر متروك للتكهنات.

Ad

انتظر قاسم في مقره بوزارة الدفاع ببغداد، فقد اشتهر عنه أنه كان ينام في الوزارة، حتى جاءت القوات البريطانية ورابطت في شمال الكويت بتشكيلات دفاعية في ما عرف بعملية «فانتج». جاءت القوات من قبرص وكينيا والبحرين واستمرت في البقاء حتى أكتوبر من عام 1961، وانسحبت لتحل محلها قوات عربية بلغ تعدادها أكثر من 3000 جندي، تشكلت من مصر وسورية والسعودية وتونس والأردن والسودان. ومع أن القوات البريطانية ضمت في تشكيلاتها عدداً كبيراً من تشكيل «جرذان الصحراء» وهي فرقة مدربة تدريباً عالياً على حروب الصحراء، إلا أن الشمس الكويتية الحارقة يبدو أنه لا راد لها، خاصة في شهرَي يوليو وأغسطس، فقد تم نقل العشرات من الجنود البريطانيين إلى مستشفى الصباح، الذي كان قد أُنجِز للتو، لتلقي العلاج بسبب إصابتهم بضربة شمس، وقد ناقش مجلس العموم البريطاني مطولاً تلك الحوادث مطالباً وزير الدفاع بتوفير المشروبات الباردة والمثلجة للجنود المرابطين في الروضتين.

أحداث صيف 1961 دخلت تاريخ أدبيات العلاقات الدولية، وأصبحت من القضايا «الكلاسيك» وأعدت حولها رسائل الماجستير والدكتوراه، حيث اشتهرت بعنوان «أزمة الكويت». فالحادثة قد جاءت في زمن شدة احتدام الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين، الاتحاد السوفياتي ومنظومته من جهة والولايات المتحدة ومنظومتها من جهة أخرى. ولربما لم تتجاوز حالة دولية شهرة «أزمة الكويت» إلا أزمة الصواريخ الكوبية التي كادت أن تضع العالم على شفا حرب عالمية ثالثة. تجاوزت أزمة الكويت مجرد استقلال دولة صغيرة، فقد جاءت في حقبة بزوغ حركات التحرر، واستقلال العديد من البلدان، وصعود نجم حركة عدم الانحياز.

وهكذا لم تنتهِ المعركة بمجرد نجاح عملية «فانتاج» وامتناع عبدالكريم قاسم عن تحريك قواته باتجاه الكويت، ومن ثم مرابطة القوات العربية لاحقاً، فقد نجح هذا الجزء من المعركة في تحقيق أهدافه، ولكن المعركة الدبلوماسية كانت أشد وطأة، وأكثر تعقيداً كما سنرى، سواء في أروقة الجامعة العربية، أو أكثر حدة في مجلس الأمن الدولي... المسألة لم تكن سهلة؟

أما السؤال المفتوح، وتأسيساً على تجربة 1961، فهو هل كان بالإمكان أن تقوم حكومة الكويت أثناء تهديدات صدام حسين في شهر يوليو 1990 باستدعاء قوات أجنبية لحماية نفسها، أو قوات عربية، أو درع الجزيرة أو حتى الحرس الملكي البوتاني؟ وهل كان ذلك سيعفينا من مأساة الغزو المريرة؟ كما قلت، إنه سؤال مفتوح، قد نتمكن من الإجابة عنه لاحقاً.

وللحديث بقية