كوكب لكل القِرَدة

نشر في 14-08-2011
آخر تحديث 14-08-2011 | 22:01
 بروجيكت سنديكيت في هذا الشهر عرضت دور السينما فيلمين جديدين- أحدهما فيلم من أفلام الخيال العلمي، ولقد لاقى إقبالاً هائلاً من جماهير المشاهدين، والفيلم الثاني وثائقي كاشف- يثيران قضية علاقتنا (البشر) بأقرب أقربائنا من غير بني البشر، القِرَدة العليا.

وكل من الفيلمين يتعرض بأسلوب درامي لأفكار ودروس لا ينبغي لنا أبداً أن نتجاهلها.

فيلم روبرت وايت "ثورة كوكب القرود" هو الفيلم السابع في سلسلة مأخوذة عن رواية بيير بولي "كوكب القرود" التي نشرت في عام 1963، والتي تتحدث عن عالَم تسكنه قِرَدة بالغة الذكاء. وتزعم الدعاية للفيلم الجديد أنه "أول فيلم يصور أحداثاً حية في تاريخ الأفلام الممثلة، وأول فيلم يعرض وجهة نظر حيوان واع ذي مشاعر".

ورغم ذلك لم يستخدم الفيلم أي قِرَدة حية.

فبدلاً من ذلك عملت "تكنولوجيا التقاط الأداء"، التي اختُرِعَت خصوصاً لصناعة فيلم "أفاتار"، على تمكين ممثل بشري، وهو آندي سركيس، من لعب دور الشمبانزي قيصر، ليس عن طريق إلباسه في هيئة شمبانزي، بل بالتقاط كل لفتة وحركة من وجهه، حتى حركات حاجبيه، ثم تحويلها إلى حركة القرد.

عندما تحدثت مع وايت في الشهر الماضي، اعترف لي بوجود أسباب عملية منعته من استخدام قِرَدة حقيقية في فيلمه. ولكنه أعرب أيضاً عن تفهمه للقضية الأخلاقية.

فقال لي: "هناك أمور لم أكن راغباً في التورط فيها. فلحمل القِرَدة على القيام بأي شيء تريد منها أن تقوم به، يتعين عليك أن تسيطر عليها؛ وعليك أن ترغمها إرغاماً على الأداء. وهذا "استغلال" واضح.

إن عزوف وايت عن المشاركة في استغلال القِرَدة العليا أمر مفهوم، خصوصاً أن الفيلم ذاته يروي قصة مجموعة من القِرَدة تتمرد في مواجهة قمع البشر المهيمنين. والشخصية البشرية المحورية في الفيلم لعالِم، ويل رودمان (الذي يلعب دوره جيمس فرانكو)، يحاول البحث عن علاج لمرض الزهايمر ويجري تجاربه على القِرَدة.

الواقع أن العديد من الأفلام كانت ستمجد عالماً يسعى إلى تحقيق مثل هذا الهدف، وتعالج مسألة استخدام الحيوانات لذلك الغرض باعتبارها أمراً مبرراً بوضوح. ولكن فيلم "ثورة كوكب القرود" يصور رودمان بوصفه "شخصاً منعزلا"، على حد تعبير فرانكو.

ولا يبدأ العالِم رودمان الاهتمام بالآخرين إلا عندما يقرر رئيسه إلغاء التجارب التي يجريها وإعادة قيصر، الشمبانزي الوليد، إلى داره. ثم تأخذ حبكة الأحداث منعطفاً آخر عندما يصبح قيصر أضخم وأكثر عدوانية من أن يُسمَح له بالحياة في بيت يسكنه البشر، فيصطحب إلى ما يفترض أن يكون ملاذاً للرئيسيات، ولكنه في واقع الأمر عبارة عن مكان مخصص للتخلص من القِرَدة غير المرغوب فيها، ويديره بشر يظهرون قسوة بالغة في التعامل مع الحيوانات الأسيرة.

عندما يتعلق الأمر بمعاملة القِرَدة فإن القسم الأعظم من الفيلم يقدم حقائق واقعية ثابتة، كما يعرض بوضوح "مشروع نيم"، وهو فيلم وثائقي يستند إلى كتاب إليزابيث هس "نيم تشمبسكي: الشمبانزي الذي يريد أن يصبح بشرا". ولِد نيم في عام 1973، في منشأة بحثية في أوكلاهوما تدرس الرئيسيات، ثم أُخِذ من أمه وكان عمره عشرة أيام فقط، لكي يستخدم في تجربة خاصة بلغة الإشارة.

وبعد تربيته كعضو في أسرة بشرية، تعلم نيم استخدام أكثر من 100 إشارة من لغة الإشارة التي يستخدمها الصم الأميركيون. ولكنه انتُزِع من أسرته البشرية الأولى لكي يسلم إلى معلمين آخرين لا تربطه بهم صلات من نفس النوع الذي ربط بينه وبين أسرته البشرية الأولى. ثم أصبح أشد قوة وأكثر عدوانية، وبدأ بعض معلميه.

إلا أن هربرت تيراس، عالم النفس في جامعة كولومبيا والذي تولى إدارة المشروع، قرر إنهاء المشروع وإعادة نيم إلى منشأة الرئيسيات البحثية في أوكلاهوما.

وهناك حُبِس الشمبانزي المدلل- الذي كان إذا طُلِب منه أن يفرز صور البشر عن صور القِرَدة يضع صورته بين البشر- في قفص مع قِردَة أخرى من نوع الشمبانزي. وكان نيم يعبر عن وجهة نظره في وضعه الجديد بالإشارة "أريد الخروج" لكل من يمر بقفصه من البشر.

ثم عاني نيم تقلبات عديدة أخرى- ونجا بصعوبة من إصابته بالتهاب الكبد كجزء من تجربة طبية- إلى أن أطلق سراحه في النهاية لكي يرسل إلى ملاذ للحيوانات، حيث مات في عام 2000.

في عام 1993، أسست أنا وباولا كافاليري مشروع القِرَدة العليا، وهو عبارة عن منظمة مكرسة لفكرة الاعتراف بأن القِرَدة العليا تتمتع بوضع أخلاقي يليق بطبيعتها ككائنات واعية وقادرة على التفكير وتعيش حياة عاطفية ثرية وعميقة.

وعلى أقل تقدير ينبغي لها أن تتمتع بحق الحياة، والحرية، والحماية من التعذيب، وهي الحقوق التي نسلم بمشروعيتها لكل أعضاء نوعنا، بصرف النظر عن قدراتهم الفكرية.

في السنوات التي تلت ذلك، أحرزت تلك الفكرة تقدماً مطردا، ومنذ عام 2010 حظر الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي استخدام القِرَدة العليا في التجارب.

والآن أصبحت التجارب على القِرَدة العليا إما محظورة وإما مقيدة بشدة في نيوزيلندا وأستراليا واليابان. وفي الولايات المتحدة، تدعم مجموعة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس تشريعاً يقضي بإنهاء استخدام قِرَدة الشمبانزي في أي أبحاث قد تلحق بها أي أذى معنوياً أو بدنياً. وفي إسبانيا في عام 2008، حَث قرار برلماني الحكومة على منح القِرَدة العليا بعض الحقوق القانونية الأساسية، ولكن الحكومة الإسبانية لم تنفذ ذلك القرار حتى الآن.

ربما كان عَرض هذين الفيلمين المختلفين تماماً بمنزلة خطوة أولى قد تؤدي إلى المزيد من الضغوط الرامية إلى وضع القِرَدة العليا في دائرة الكائنات التي تتمتع بحقوق معنوية وقانونية. وبهذه الطريقة، يصبح بوسع أقرب أقربائنا على كوكب الأرض أن يعملوا كجسر يعبر بنا الهوة الأخلاقية التي حفرناها بين أنفسنا والحيوانات الأخرى.

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون، وأستاذ فخري بجامعة ملبون. ومن بين مؤلفاته كتاب "تحرير الحيوان"، وكتاب "أخلاق عملية"، وكتاب «الأخلاق فيما نأكل»، وكتاب «الحياة التي يمكنك إنقاذها«.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top