هل يا ترى يمكن أن يكون هناك سياسة عامة للدولة وسياسة عامة للحكومة؟ إذا كان الجواب بالإيجاب فما الفرق بينهما؟ بمعنى آخر: هل من الممكن أن تختلف سياسة الحكومة عن السياسة العامة للدولة أو العكس؟ ثم إذا كان مجلس الوزراء يرسم السياسة العامة للحكومة وينفذها فمن يا ترى يرسم السياسة العامة للدولة؟

Ad

أستغرب حقيقةً من الذين عبروا عن فرحتهم العارمة بمجرد صدور قرار المحكمة الدستورية بشأن تفسير المواد 100 و123 و127 من الدستور، إذ حاول البعض تجيير قرار المحكمة الدستورية التفسيري تجييرا سياسيا لمصلحة الحكومة من خلال الإيحاء لعامة الناس بأن القرار التفسيري عبارة عن حكم نهائي بعدم دستورية الاستجواب المقدم من النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري لرئيس مجلس الوزراء، رغم أن هذا "التجيير السياسي" غير صحيح البتة؛ لأنه ليس من اختصاص المحكمة الدستورية بحسب قانون إنشائها الحكم بدستورية أو عدم دستورية الاستجوابات، بل كل ما تختص به المحكمة الدستورية (المادة 1 من القانون رقم 14/1973) هو "تفسير النصوص الدستورية والفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح وفي الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم".

من زاوية أخرى فقد أشار القرار التفسيري للمحكمة الدستورية إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي عملية الفصل بين ما سمي السياسة العامة للدولة والسياسة العامة للحكومة رغم أنه، من وجهة نظرنا، يستحيل الفصل الميكانيكي بينهما لا من الناحية النظرية ولا من الناحية العملية.

ولتوضيح الصورة أكثر، وبعيدا عن الدخول في متاهات المفاهيم النظرية لكل من الدولة والحكومة دعونا نتساءل: هل يا ترى يمكن أن يكون هناك سياسة عامة للدولة وسياسة عامة للحكومة؟ إذا كان الجواب بالإيجاب فما الفرق بينهما؟ بمعنى آخر: هل من الممكن أن تختلف سياسة الحكومة عن السياسة العامة للدولة أو العكس؟ ثم إذا كان مجلس الوزراء يرسم السياسة العامة للحكومة وينفذها فمن يا ترى يرسم السياسة العامة للدولة؟ ليس ذلك فحسب، بل إذا كان مجلس الأمة يراقب السياسة العامة للحكومة، ويسائل الرئيس عنها فمن يستطيع مساءلة "المسؤول أو المسؤولين" عن رسم وتنفيذ السياسة العامة للدولة، بفرض اختلافها عن السياسة العامة للحكومة سواء في مضمونها أو في طريقة رسمها؟

وهنا دعونا نفترض جدلا، رغم عدم صحة هذا الافتراض، أن السياسة العامة للدولة، التي لا نعرف كما قلنا أعلاه من يرسمها ومن يراقبها، تختلف عن السياسة العامة للحكومة، وتقضي هذه السياسة بمنع التجمعات العامة، فما دور الحكومة هنا؟ هل ستقوم بتنفيذها حتى لو كانت مخالفة للدستور أم ستمتنع عن القيام بذلك؟ وفي حالة تنفيذها كيف سيكون ذلك؟ أليس من خلال رسم سياسة حكومية؟ وهنا ما دور مجلس الأمة؟ هل يستطيع مساءلة الحكومة عن هذه السياسة العامة بعد أن تولت رسمها وتنفيذها، بل يشارك في رسمها من الأساس أيضا؟ أم أنه ليس من اختصاصه القيام بذلك كونها سياسة عامة "للدولة" لا للحكومة؟!

في الدول الديمقراطية هناك صلاحيات لرئيس الدولة ولكل سلطة من السلطات لكنها صلاحيات محددة دستوريا؛ لهذا فإنه لا يمكن رسم السياسة العامة للدولة، أي للحكومة التي تتولى إدارة شؤون الدولة والمجتمع، بعيدا عن الرقابة والمساءلة البرلمانية، وإلا اختلت مبادئ الديمقراطية والرقابة الشعبية التي ترتكز على أساس أن "الأمة مصدر السلطات جميعا".