النقاش الدائر اليوم ما بين المثقفين المصريين حول التحولات أو التغيرات التي طرأت على الهوية المصرية والخوف من المستقبل القادم مع التيار الإسلامي الذي حصل على أغلبية أصوات الانتخابات المصرية، وما إذا كان هذا التيار سيقود البلد ويدخله في المد السلفي الذي سيغير تماما من واجهة الهوية المصرية وحضارتها ويقودها خطوات إلى الوراء مما يماثلها مع الدول الخليجية، وبالتالي» يخلجنها» ويمحي تاريخها الحضاري الممتد عبر الآف القرون.

Ad

في الندوة التي أدارتها د. درية شرف الدين وقال فيها الصديق يوسف القعيد ان مصر تسير في درب التحول السلفي الذي سينتهي بخلجنتها، مما سينتقص من هويتها المصرية ومن حضارتها الآتية من أعماق التاريخ.

وأتذكر أنني قد سمعت هذا الكلام أو ما يشابهه من المبدع الكبير إدوار الخراط منذ ما يقارب 17 سنة، أي حتى من قبل وصول الإسلاميين إلى سدة الانتخابات المصرية، وأظن إنها كانت رؤية مستشفة ومبكرة جدا حيث قال: ان دول الخليج بدأت تؤثر تأثيرا سلبيا على هوية الحضارة المصرية بالتغيرات السلوكية الطارئة على العمالة المصرية العائدة من الخليج، وأتذكر ردي عليه أن من يأت من الخليج ليس عمالا فقط بل هناك أساتذة جامعة وقضاة وأطباء ومهندسون ومحامون وهؤلاء لن يغير من هويتهم أي شيء كان، وإن كان هناك شيء من التأثير فهو قد انعكس على المجتمعات الخليجية أيضا بدخول عادات وتصرفات لم تكن موجودة من قبل، ومثال على ذلك كلمة يا باشا التي تعني التملق والوساطة، هذا إلى جانب تحول بعض المناطق مثل خيطان على سبيل المثال إلى حالة مصرية كأنك في حي مصري وليس في الكويت وهذا شيء عادي ومقبول في الكويت من دون أي شعور بالخوف على تغير الهوية لا من الجانب الكويتي أو من الطرف المصري.

لكن الآن وبعد 17 عاما من ذاك الحوار التنبؤي من إدوار الخراط بدا واضحا تماما التغير في الهوية المصرية خاصة في تحولها إلى التيار السلفي الذي بدأ ينتشر بشكل واسع في مصر بين طبقاتها المختلفة، سواء كانوا متعلمين أو غير متعلمين، وهذا التيار فارد سطوته على الجميع دول خليجية وغيرها.

فقدان الهوية ليس عموما بسبب السيطرة الدينية وامتدادها، بل بسبب العولمة التي لم تُبق لأي هوية أخرى نقاءها.

هذه العولمة هي التي غيرت وستغير الكثير من العادات والسلوك في الهويات الوطنية، فعلى سبيل المثال لغة الشات التي دخلت وسيطرت على المتعاملين بها حول العالم كله، أليس هذه اللغة هي تغير في سلوكيات الهويات الوطنية؟

وأيضا انتشار أطعمة عربية مختلفة ومن بلدان متعددة مثل الشاورما، الحمص بالطحينة، الكسكس، الفول والفلافل، التبولة لدى الغرب، وقبل انتشارها كان الانتشار والسيطرة الكاملة للهامبرغر والكنتاكي والبيتزا والنجتس والبيبسي والكولا وغيرها من هذه الأطعمة التي ولدتها العولمة ووحدت فيها المذاق العالمي للطعام في الهويات المختلفة.

أتذكر أني كنت أشاهد في التلفزيون احتفالات اليابانيين في موسم الكرز عندما داهمني شعور اني معهم أشاركهم احتفالهم وأتوحد في المشهد وذلك كان نتيجة لعلب البيبسي التي كانوا يشربونها والتي حدتنا الى معرفة مذاقها.

هذه العولمة امتدت وانتشرت في لغتنا وأكلنا وملبسنا وعاداتنا وهوياتنا الرياضية، وكل ما نحبه وما نكرهه امتزج في هذه العولمة، شعوب مختلفة باتت تحب وتكره وتشتري وتبيع وتقبل وتدبر بذات الدرجة التي فرضتها وقررتها علينا العولمة العالمية.

وفي مقال قرأته الأسبوع الماضي يقول انه في حال سيطرت الصين على قيادة العالم فإنها لن تتدخل بفرض هويتها عليه، لأن الصين لا يهمها تربية العالم ولا تغيير هويته، كما لا تريد من أي أحد أن يدخل في هويتها وخصوصيتها، هي تريد الكسب فقط بمعرفة ما يريده العالم لإنتاجه له، والدليل على ذلك الصينيون في كل مجتمعات العالم لم يذوبوا بها بل حافظوا على هويتهم وأقاموا مدنهم وأحياءهم الصينية الصغيرة داخل المدن الكبيرة التي احتوتهم، حتى وإن حملوا جنسيتها فولاؤهم لهويتهم الصينية فقط.

فهل مصر قادرة على أن يكون ولاؤها لمصريتها فقط؟