يدور الحديث في مصر الآن، حول الوفاق الوطني على مبادئ دستورية تعلو الدستور ذاته، لا يجوز لنص في الدستور الجديد أن يخالفها، كحل وسط بين من يريدون وضع الدستور أولا، ومن يريدون الانتخابات أولا.

Ad

ولا أستطيع أن أكتم خشيتي من هذا الحل الوسط الذي يتنادون به، لأنه حتى المبادئ الدستورية التي تعلو الدستور ذاته، لم تكن عصية على من أفسدوا الحياة السياسية في مصر، فقد انتهكوها وداسوها بأقدامهم، عندما عدلوا الدستور في عام 2007.

أخطر تعديل نص دستوري في مصر:

وكانت أخطر نصوص التعديل الدستوري المذكور هو نص المادة 179 التي استحدثوا بها حكما لم يرد في أي دستور من دساتير عالمنا المعاصر، ذلك أن المادة (179) من الدستور المصري- بعد تعديل 2007- أصبحت تبيح لأجهزة الأمن سلطة القبض على الأفراد وتفتيشهم وحبسهم وتقييد حرياتهم بكل القيود، والحد من حريتهم في التنقل من أي مكان تحدده لهم هذه الأجهزة، وذلك كله دون حاجة إلى استصدار إذن قضائي.

وتبيح هذه المادة لأجهزة الأمن دخول المساكن وتفتيشها دون إذن قضائي.

كما تبيح هذه المادة كذلك لأجهزة الأمن، ولأي جهاز في الدولة، ودون إذن قضائي هتك أسرار الناس ومكونات حياتهم الخاصة، من خلال حقها في الاطلاع على مراسلاتهم البريدية والبرقية والتنصت على محادثاتهم التلفونية وغيرها من وسائل الاتصال، وفرض كل وسائل الرقابة عليها، بل مصادرتها، دون تقييد أجهزة الأمن وأجهزة الرقابة بأي قيد من مدة أو سبب، سوى التذرع بمكافحة الإرهاب.

الدستور يبيح انتهاك أحكامه:

فالمادة (179) من الدستور، تخول قانون مكافحة الإرهاب، أن يبيح لأجهزة الأمن ارتكاب هذه الفظائع والجرائم، دون اعتداد بالقيم الجوهرية التي يقوم عليها أي دستور، أو الاعتداد بالبناء الأساسي الذي تقوم عليه الدساتير، وبالحقوق الطبيعية للإنسان، التي تقننها الدساتير ولا تنشئها، فلا يجوز الإخلال بجوهرها.

إهدار الحرية الشخصية

فالحرية الشخصية التي هي حق طبيعي، والتي كفلتها المادة 41 من الدستور وجعلتها مصونة لا تمس، لم تعد حقاً طبيعياً مصونا في ظل المادة 179 التي فوضت مجلس الشعب في إصدار قانون مكافحة الإرهاب، لا يعبأ بهذه الحرية أو بمتطلباتها. ولأجهزة الأمن في ظل هذا القانون، انتهاك الحرية الشخصية للأفراد معتصمين بالقانون الذي سنته السلطة التشريعية، حصينا من الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية بمخالفة مبادئ حماية الحرية الشخصية وحرمة المسكن وحرمة الحياة الخاصة.

إهدار حرمة المساكن

وحرمة المساكن التي صانتها المادة (44) من الدستور، لم تعد مصونة في ظل المادة 179 التي فوضت مجلس الشعب في إقراره لقانون مكافحة الإرهاب أن يدوس هذه الحرمة بنصوصه، وأن يخول زبانية النظام اقتحام البيوت على أصحابها آناء الليل وأطراف النهار وتفتيشها وتدنيسها دون أي رادع من قانون، ودون الحصول على إذن قضائي.

إهدار حرمة الحياة الخاصة

وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، التي كفل الدستور حماية أسرارها في المادة (45) من الدستور، وألزم المشرع بحمايتها، لم تعد لها حرمة في ظل المادة (179) بعد التعديل، التي تبيح كشف سريتها لكل من مجلس الشعب بالتشريع الذي تسنه، وأجهزة الأمن بالإجراءات التي تتخذها جورا وقهرا وعدوانا في حق المواطنين.

التنقيح لمزيد من ضماناتها:

ولكن هذه المبادئ الدستورية، التي تعلو الدساتير ذاتها، قد عصمها الدستور في الكويت من أي تنقيح عندما نص في المادة (175) على أن الأحكام الخاصة بمبادئ الحرية والمساواة لا يجوز اقتراح تعديلها إلا لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة.

درءا لاقتحام تخوم هذه المبادئ في أي تعديل دستوري مستقبلا، يهدر هذه الأحكام أو ينتقص منها... رحم الله أعضاء المجلس التأسيسي الذين أقروا دستور الكويت العظيم، ورحم الله الدكتور عثمان خليل الخبير الدستوري الذي صاغ أحكامه، وجعلها في ميزان حسناتهم.